تتمثل المؤشرات الواضحة الدالة على تدهور الأحوال التعليمية، بارتفاع معدل الجريمة، وانتشار الفقر وغيرها الكثير. ولكن أخطر هذه المؤشرات - التي يمكن أن تكون سبباً ونتيجةً في آنٍ واحد - هي التسرب المدرسي.
تعد هذه المشكلة أخطر ما يمكن أن تتعرض له دولة ما لكونها دليلاً حاسماً على سوء الأحوال المعيشية ناهيك عن نتائجها السلبية على المجتمع مثل انتشار الجهل والتسول والنتائج الكارثية التي تظهر في المستقبل القريب والبعيد.
تعريف التسرب المدرسي
تُعرف ظاهرة التسرب المدرسي على أنها انقطاع الطالب عن الدراسة وعدم إتمامه لها. وتعد أحد الظواهر الخطيرة المنتشرة كثيراً في مختلف المجتمعات، إذ تؤثر بالأطفال سلباً وتعيق نمو المجتمع وتطورِّه في مختلف مجالات الحياة. [1]
ومن أجل معالجة ظاهرة التسرب المدرسي، لا بد من تسليط الضوء على العوامل المؤدية إليها.
الأسباب
تتركز الأسباب الرئيسة للتسرب المدرسي فيما يلي:
- تردّي الأوضاع الاقتصاديّة:
تُعد الأوضاع الاقتصادية طرفاً رئيسياً في انتشار هذه المشكلة في أي بلد كان، ولا يمكن إنكار التكاليف الباهظة للتعليم.
صحيح أن التسجيل في المدارس الحكومية في كثيرٍ من الدول مجاني لكن تكاليف المستلزمات المدرسية، والحاجة إلى دروس خصوصية في كثير من الأحيان يزيدان من تكلفة التعليم بدرجة كبيرة مما يصعب الموضوع على أهالي الطلبة، ولا سيما في حال وجود أكثر من طالب في العائلة. - عمالة الأطفال:
إنّ سوء الأحوال الاقتصادية يدفع الكثير من الأهالي إلى استغلال أبنائهم بالعمل بدلاً من إعطائهم حقهم في التعليم.
هذا الأمر لا يقتصر على حرمان الأطفال من حقهم في التعليم فحسب، وإنما يجبرهم أيضاً على أداء مهن شاقة كونهم لا يمتلكون شهادة وهذه المهن لا تتناسب مع قدراتهم وأعمارهم. - الإهمال في المدارس:
ينتشر الإهمال في المدارس وخصوصاً الحكومية منها كثيراً فيما يخص موضوع التسرب المدرسي. وذلك نتيجةً لعدم اكتراث كثير من المعلمين والمدراء والموجهين في المدارس حيال تسرب الطلاب كونه أصبح باعتقادهم أمراً طبيعياً في مجتمعاتنا، أو أمراً لا يخصهم مباشرةً. - المبادئ التعليمية في المدارس:
يًفضل الكثير من المدرسين مؤخراً اتّخاذ الطريق السهل في مساعدة الطلاب المتفوقين ودعمهم لتوفر الفرص وإمكانيات النجاح لهم. ويترافق ذلك بتناسي المعلمين لدورهم الأساسي في دعم الطلاب الأقلّ حظاً. ما بسبب التسرب المدرسي إذ أنهم في كثير من الأحيان يوجهون صفات لمثل هؤلاء الطلاب تجعلهم يشعرون بعدم جدوى الذهاب إلى المدرسة فتصبح مكاناً يرتبط بمشاعر سلبية مثل الشعور بالدونية، وعدم الترحيب. - النتائج التي يحققها الالتزام بالمدراس:
أصبح وضع الخريجين في كثير من الدول خاصة العربية منها يؤثر مباشرةً على نظرة الأطفال وذويهم إلى الدراسة. فعند كثرة الحديث عن تردي الأوضاع الاقتصاديّة للخريجين والمصاعب التي تواجههم في الحصول على عمل براتب لائق، تتغير نظرة كثير من الأهالي وحتى الطلاب للدراسة عامةً. وتجعلهم يرون الدراسة بوصفها استثماراً فاشلاً للوقت والموارد المالية. لذا يفضّلون اختصار الطريق -على حسب قولهم- واتباع طرقٍ أخرى قد تضمن لهم مستقبلاً أكثر استقراراً بنظرهم مقارنة مع ما قد تضمنه الدراسة، وهذا الأمر يُشجع على التسرب المدرسي. - زواج القاصرات:
يعد زواج القاصرات من المشكلات المنتشرة في المجتمع العربي عامةً والمجتمع السوري خاصةً.
تلجأ أسر كثيرة إلى هذا الأمر بسبب موروثات ثقافية بالية، إضافةً إلى استخدام الأوضاع الاقتصادية السيئة كعذر منطقي برأي المجتمع للاتجار بالقاصرات.
وللأسف، على المستوى المحلي كان للحرب الدور الأكبر في تعزيز أسباب التسرب المدرسي، بل كانت سبباً رئيساً للتسرب في الكثير من المناطق السورية.
مخاطر التسرب المدرسي
يترتب على التسرب المدرسي العديد من المخاطر. منها:
- ارتفاع معدل الجريمة بسبب إهمال الأطفال وتركهم عرضةً لمواقف قد تجعل منهم ضحايا سهلة المنال للمجرمين. وفي الوقت نفسه تُزرع في أنفسهم مبادئ خاطئة تَعُدهم ليصبحوا مجرمين بدورهم مستقبلاً.
- غرق المجتمع في الجهل وتراجعه علمياً واجتماعياً. فالدراسة ليست مجرد معلومات وإنّما ثقافة يجب اكتسابها للتخلص من الجهل الاجتماعي.
- ولا بد من التنبّه إلى أن ابتعاد الأطفال عن الجو المدرسيّ -الذي يجب أن يكون مثالاً للتنوّع الاجتماعي والثقافي- يجعلهم محصورين ببيئة منغلقة ممّا يؤدي إلى نشوء أفراد متعصبين غير متقبلين للآخرين.
الحلول المقترحة للحد من هذه الظاهرة
تكمن الحلول في يد القانون، فيجب وضع قوانين واضحة، وعقوبات شديدة لكل من يمنع طفلاً من إكمال تعليمه.
من المهم أيضاً تطبيق ما يلي:
- متابعة المدرسين للطلاب جميعهم بنفس الدرجة من الاهتمام.
- توفير الأدوات الضرورية للتعليم مجاناً ضمن المدارس من أجل جعل التعليم متاحاً للجميع وللحد من ظاهرة التسرب المدرسي.
- توفير رواتب تتناسب مع جهود المدرسين المبذولة، وذلك حرصاً على جودة عملهم، ومنع الدروس الخصوصيّة عامةً.
- تفعيل عقوبات صارمة فيما يخص عمالة الأطفال وزواج القاصرات لمنع الأهالي من استغلال أبنائهم.
- تحسين الوضع الاقتصادي العام للمواطنين.
- توفير فرص عمل للخريجين الجدد، ممّا يعطي دافعاً للأطفال وذويهم للاهتمام بالعلم والدراسة.
التسرّب المدرسي في سوريا
بالرغم من وجود قوانين تدعم التعليم الإلزامي والمجاني وتجرّم عمالة الأطفال، مثل:
- تنص المادة 36 من القانون رقم 21 الصادر عام 2021، التي تحظر عمل الأطفال دون سن الخامسة عشرة. وتحاول تحقيق شروط مناسبة للعمل للأطفال الذين تجاوزوا سن الخامسة عشرة. [2]
- تنص المادة 6 من نفس القانون السابق: «لكل طفل الحق في التمتّع بالحقوق والحريات العامة، والحصول على الحماية والرعاية من دون أي تمييز على أساس الجنس أو الأصل أو العرق أو اللون أو اللغة أو الدين، أو على أي أساس آخر». [2]
- تنص المادة 2 من القانون رقم 7 الصادر عام 2012: «يُلزَم جميع أولياء الأطفال السوريين (ذكوراً وإناثاً) الذين تتراوح أعمار أطفالهم ما بين 6- 15 سنة بإلحاق أطفالهم بمدارس التعليم الأساسي». [3]
لكن للأسف فإن جميع القوانين السابقة لا تطبق على أرض الواقع، ولذلك نرى أن ظاهرة التسرب المدرسي ما زالت منتشرة بكثرة.
تبقى مشاهد التمييز بين الأطفال الذكور والإناث دون حسيب أو رقيب إلا نادراً، إضافةً إلى عمل الأطفال بظروف شاقة وصعبة حتى على من تجاوزوهم عمراً.
فحسب تقرير الأمم المتحدة لعام 2021: «داخل سوريا، هناك أكثر من 2.4 مليون طفل يعاني التسرب المدرسي، وحوالي 40% منهم من الفتيات، وقد يرتفع هذا الرقم في عام 2020 بسبب تأثير جائحة كورونا التي أدت إلى تفاقم تعطل التعليم في سوريا».
واحدة من كل ثلاث مدارس داخل سوريا تعرضت للتدمير أو الضرر، ما أدى إلى قلة في عدد المدارس مقارنةً مع أعداد الأطفال المتواجدة.
غالباً ما يتعلم الأطفال القادرين على الالتحاق بالمدرسة في الفصول الدراسية المكتظة، وفي المباني التي لا توجد بها مرافق مياه وصرف صحي كافية أو كهرباء أو تدفئة أو تهوية. الأمم المتحدة قادرة على تأكيد ما يقارب من 700 هجوم على منشآت التعليم والموظفين في سوريا منذ بدء التحقق من الانتهاكات الجسيمة ضد الأطفال. في العام الماضي، تم تأكيد 52 هجوماً. [4]
ندرك في مبادرتنا أن بناء الوطن وحمايته ينطلقان من بناء مجتمع مثقف ومتعلم، هذا ما يدفعنا لجعل العلم متاحاً للجميع، والعمل معاً للحد من ظاهرة التسرب المدرسي، وخصوصاً لدى النساء. في محاولةٍ منا للوصول إلى جميع من لم يكن له الحظ في التعليم لأحد الأسباب الآنفة الذكر إن التسرب المدرسي يعتبر مشكلة جليّة في مجتمعنا. كما التفكير بأن هذه المشكلة صغيرة وغير مهمة يؤدي إلى تفاقمها. فالحرص على تعليم وتثقيف الأجيال هو المنجي الوحيد وهو الطريق إلى مستقبل أكثر وضوحاً. واجب علينا كأفراد أن نزيد وعي الأهالي والأطفال حول سلبيات التسرب المدرسي ومساعدتهم على اتخاذ القرار الصحيح. إن التسرب المدرسي يعتبر مشكلة جليّة في مجتمعنا.
اقرأ أيضاً:
المصادر
[1] Mawdoo3
[2] SANA
[3] Parliament Government
[4] Relief Web