بعد الوصول إلى درجة كبيرة في التّقدم العلمي وبالرغم من محاولات المساواة بين الجنسين، إلّا أننا لا نزال نلمس فروقاً واضحة بين نسب الرجال والنساء في ميدان العلوم. قرّرت الجمعيّة العامة للأمم المتّحدة بتاريخ 22 ديسمبر 2015، تخصيص يوم عالمي للاحتفال سنويّاً بالدور الهام الذي تضطلع به النساء والفتيات في ميادين العلوم والتّكنولوجيا.
وتتصدّر اليونسكو وهيئة الأمم المتحدة للمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة الاحتفال باليوم الدولي للمرأة والفتاة في ميدان العلوم. و الموافق للحادي عشر من فبراير من كل عام. وذلك بالتّعاون مع سائر المؤسّسات المعنيّة والشّركاء من المجتمع المدني. يقدم هذا اليوم الفرصة لتعزيز وصول الفتيات والنساء إلى هذا الميدان ومشاركتهنّ مشاركة كاملة ومتساوية فيه. إذ تعدّ المساواة بين الجنسين من الأولويات العامة لليونسكو. كما أنّ تمكين الفتيات الشابات، والنهوض بتعليمهنّ وقدرتهنّ الكاملة على التعبير عن أفكارهنّ من العوامل الأساسية لتحقيق التنمية وبناء السلام.¹
بالرّغم من التقدم في بعض المجتمعات بما يخص قضية المساواة بين الجنسين، إلّا أنّ مشاركة المرأة والفتاة في ميدان العلوم تبقى محدودة. إذ تبين معنا التالي:
ارتبطت كثير من الأفكار النمطية السيئة خلال تطور الإنسان بالنساء. فمعظم المجتمعات تجبر النساء على أن يتصرفنّ ويتخذن قراراتهنّ ضمن قوالب جاهزة دون إعطائهنّ الحق بتقرير مصيرهنّ بحرية. الصورة الغالبة لمستقبل الفتيات هي الزواج والأمومة، فهما الهدف الأساسي من وجود النساء بنظر كثيرين. وبالرغم من أهمية هذا الدور، إلّا أنّه لا يجب أن يكون أمراً محتماً لكلّ امرأة.
إضافةً إلى أنّ الأمومة في مثل هذه المجتمعات ترمي على عاتق النساء مسؤوليات الأطفال والشؤون المنزلية برمتها. الأمر الذي يمنعهنَّ من بناء سيرتهنَّ المهنية، ويجبرهن في كثير من الأحيان على البقاء في المنزل للاعتناء بأفراد عائلتهن.
بصرف النظر عن أهمية مشاركة المرأة والفتاة في ميدان العلوم، في حال تشجيع المرأة على التعلم والعمل غالباً ما يكون ضمن المجالات التي لا تتطلب وقتاً طويلاً خارج المنزل ولا يحمّلها أعباء ومسؤولياتٍ كبيرة. وذلك خوفاً على مهمتها الأساسية (الاعتناء بالمنزل). وفي هذه الحالة يصبح للمرأة وظيفتان: داخل المنزل دون أجر، وخارج المنزل بأجر ضئيل.
وبالتالي يصبح من الصعب على النساء الدخول في المجالات العلمية البحثية بسبب الوقت الذي تتطلبه مثل هذه المجالات. وذلك بسبب ضغط النساء بكل تلك المسؤوليات المنزلية غير العادلة. والتي يتم تغليفها بمسميات براقة مثل "الأم المضحية"، و"الزوجة الصالحة"، و"المرأة التي توجد وراء كل رجل عظيم".
كما لا ننسى التّمييز في الأجور بين الرّجال والنساء في هذه المجالات، مما يشكل ظلماً واضحاً يزيد من صعوبة الموقف. ففي كثير من الثقافات لا يزال الاعتقاد سائداً بأنّ النساء أقل قدرة عقلية وجسدية على العمل في مثل هذه المهن. ولهذا يتم اعتبارهنّ أقل إنتاجية وجودة في عملهنّ.
يجب التخلص من المسميات التي يتم إطلاقها على النساء بشكلٍ دائم وتجبرهنّ على اتخاذ قراراتهنّ. فعند الوصول لعمر العشرين والثلاثين، يتم جبر المرأة بشكل غير مباشر على الزواج خوفاً من المجتمع الذي قد يلصق بها كلمة "عانس" وكأنها تهمة. وبعد الزواج يجب عليها إنجاب الأطفال لتصبح أماً، ومن ثمّ يجب أن تتحمل المسؤوليات الموكلة لها حسب هذا الدور. أمّا بالنسبة إلى الرجال، فغالباً ما تكون قراراتهم مبنية على آرائهم الشخصية. وحتى لو اضطروا لمجاراة المجتمع ببعض الأمور فلا يوجد ما يقف في وجه تطوير حياتهم المهنية. بل على العكس من ذلك فإنّهم يتلقون كل التشجيع والمساندة. هذا ما يجعل دور المرأة والفتاة في ميدان العلوم محدوداً.
يجب وضع قوانين واضحة تساوي بين أجور النساء والرجال مهما كان نوع العمل الذي يقومون به. بالإضافة إلى العمل على نفي الاعتقادات السائدة بأنّ النساء أقل قدرة على العمل وخصوصاً في المجالات العلمية.
يجب وضع قوانين مساعدة للطرفين عند إنجاب الأطفال. فلا يجب أن تكون الأم وحدها من تأخذ إجازة أمومة، وإنّما الأب أيضاً عليه أن يحصل على إجازة أبوة. مثل هذه القوانين سترسخ مفهوم المساواة بين الوالدين، وواجب وحق كل منهما بالاعتناء بالأطفال دون تمييز.
توجد جهود مبذولة -ضئيلة- تحاول دعم وصول النساء إلى هذه المجالات. مثل برنامج ماري سكلودوفسكا-كوري الذي يهدف إلى إلهام الشابات الطامحات في دخول المجال النووي وتشجيعهنَّ. وذلك من خلال تقديم منح دراسية لمتابعة برامج الماجستير وتوفير فرص لمتابعة تدريب داخلي بمساعدة الوكالة.³
تعمل مبادرتنا بشكل واضح على التقليل من هذه الفجوة من خلال توجيه معظم دوراتها التدريبية للنساء؛ نظراً لمعرفتنا بالصعوبات التي تقف في وجههنّ، ومحاولةً لتحقيق المساواة بين الجنسين.
اقرأ أيضاً:
المصادر
[1] UNESCO
[2] UN
[3] IAEA