"علينا تغيير نظرتنا إلى العالم قبل محاولة تغيير العالم". بهذه الكلمات تخبرنا "كارول جرجس زخور"، مؤسسة مبادرة "Uplifting Syrian Women" عن رؤيتها للتغيير. هذه المبادرة التي أحدثت تغيير في حياة كارول، وفي حياة مئة متطوع ممّن يعملون فيها. إلّا أنّه لم يكن تغييراً عادياً؛ لقد كان كأثر الفراشة، يحطّ برقّة، وينثر بريقه في الهواء الرحب.
حُلمٌ حرّك الشغف في نفس "كارول" لتأسيس المبادرة، إذ لطالما رأت أنّ محرّكها الداخليّ بحاجة إلى إحداث تغيير في هذا العالم. لم تعتد الاكتفاء بالنقد وانتظار الآخرين في مسألة طرح الحلول، فكان لا بدّ من العمل والتحرّك دون انتظار أيّ أحد أو أيّ شيء.
اختارت "كارول" المرأة لتكون الشريحة المستهدفة في المبادرة، انطلاقاً من فكرة أنّه لا يفهم معاناة المرأة سوى المرأة. والسؤال هنا: كيف تشكّل النساء أربعة أضعاف نسبة الرجال في سوق العمل ولا يتولين مناصب قيادية؟ والسؤال الأخطر: لماذا هناك فجوة بين الجنسين، في التحصيل العلميّ والكفاءة المطلوبة لسوق العمل؟ إضافةً إلى تساؤلات أخرى دفعت بكارول من خلال مبادرة "Uplifting Syrian Women" للسير مع النساء خطوة بخطوة. على أمل تحقيق أحلامهنّ بالشكل الذي يحسّن المستوى الاقتصاديّ لهن أولاً لينعكس على البلاد، ويقلّل الفجوة بين الجنسين.
"كانت رحلتي، أمّا اليوم فهي رحلتنا أنا وأكثر من مئة متطوع مبدع". بهذه المشاعر والإحساس بروح الجماعة تصف "كارول" رحلة المتطوعين والعاملين في المبادرة. وتقول أيضاً: "رحلتي منذ تأسيس المبادرة تخلّلها كثير من الجهد والضياع والتشتت أحياناً. لكن هذه اللحظات بالذات هي مصدر فخر كوني خرجت منها أقوى ممّا كنتُ عليه سابقاً". وتتابع: "خلال هذين العامين، أصبحتُ أكثر صبراً وقوة وثقة بنفسي، والأهمّ من كلّ هذا، أصبح طريقي للمستقبل أكثر لمعاناً ووضوحاً".
بعد عامين من انطلاقة المبادرة، ما كان من السهل على "كارول" الوصول بها إلى ما هي عليه اليوم. لقد كانت أياماً مليئة بالتعب، مزدحمة بالأفكار التي كان بعضها غير قابل للتطبيق في وقت معيّن، لكنّ الإصرار على النجاح والوصول يصنع المعجزات. وتعلّق على ذلك، قائلة: "لا يمكنني أن أروي كلّ شيء في بضعة سطور خشية أن أظلم الفريق. لكن لأصدقك القول، لقد تعبنا كثيراً، وقدّم كلّ فرد منّا -رغم الإمكانيات المحدودة- أقصى جهد ممكن مع الكثير من الحب
كتبت "كارول جرجس زخور" قصّة نجاحها، وما تزال تكتب كلّ يوم سطوراً جديدة في رحلةٍ مثيرةٍ بين الماضي والحاضر الممتدّ. وترى في معرض سؤالها عن إمكانية تحقيق النجاح في ظلّ الظروف المُحبِطة أنّ "الظروف الحالية هي أكبر دافع للنجاح. فالأشخاص الذين يعيشون حياة مستقرّة ومريحة، ولا يشعرون بالحاجة إلى أيّ شيء لن يقدموا على محاولة فعل أيّ شيء. كوننا نعيش في ظلّ ظروف صعبة، فهو دافع دائم لنحاول مراراً وتكراراً تأمين ظروف حياة أفضل".
في البداية، كانت فكرة "كارول" عن المبادرة تتمحور حول مساعدة النساء عبر الإنترنت في الحصول على خبرات عملية. وهذه الخبرات تؤهلهن للدخول الصحيح في سوق العمل وتحقيق متطلباته. إلّا أنّه لم يتوقف الأمر لدى "كارول" عند هذا الحدّ. إذ كان لا بدّ من تأهيل النساء ومساعدة الراغبات منهنّ على تحصيل منحة دراسية مثلاً، أو اكتساب خبرة تطوعية.
فضلاً عن ذلك، فإنّ الدعم النفسيّ كان واجباً؛ لأنّ الجميع يعاني في ظلّ هذه الظروف الصعبة، خصوصاً النساء. بدأت أسرة المبادرة تكبر يوماً بعد يوم، وازدادت أعداد المتطوعين والمتابعين لها والمستفيدين منها. لا تصدق "كارول" أحياناً أنّه قد مرّ عامان على انطلاق المبادرة. فبين بداية خجولة ودافئة وصادقة، واستمرارية حاضرة، تعمل فرق المبادرة -على اختلافها- كخلية نحل لتكتب قصة نجاح فريدة.
ليس من السهل على الإنسان العبور من الباب الضيّق في هذه الحياة، ولا اختيار الطريق الصعب المليء بالأشواك. ولكن حتماً، فإنّ هذا الطريق وذاك الباب، على ضيقهما وصعوبتهما، سيخلقان إنساناً أقوى وأكثر صلابة وقدرة على مواجهة التحديات. وفي هذه الجزئية ترى "كارول" نفسها ممتنة لكلّ شيء جعلها على ما هي عليه اليوم. كما تنتظر بابتسامة وبعزيمة جبّارة كلّ الصعاب القادمة، وتتلّهف للتعلّم منها. إذ أنّ كلّ ما عايشَته من صعاب وتحديات، إنّما هو ناجم عن اختيارها للطريق الصعب. وإن أُتيحَ لها أن تغيّر شيئاً ما حدث في حياتها، فلن تغيّر شيئاً.
لا تستطيع "كارول" الفصل بين أمنياتها الشخصيّة وأمنياتها للمبادرة، إذ تعتبر أنّ المبادرة "مصدر سعادتها". أمّا بالنسبة إلى هدفها من المبادرة، فهو "استدامة الأثر، والتوسع في تقديم خدمات المبادرة. وبأن تكون جزءاً، مهما صغر حجمه، في تحسين أوضاع النساء السوريات". حتى أمنيات "كارول" الفرديّة الخاصّة تتمحور حول الأثر الجميل. إذ تتمنى بأن "تكون ذكرى جميلة في حياة كلّ من تقاطعت طرقه معها، ومصدر أمل لمتابعة السعي لتحقيق أحلامهم".
"لنتعاون معاً، لننجو": في ذكرى تأسيس مبادرة "Uplifting Syrian Women"، تشعر "كارول جرجس زخور" بالفخر. وهذا الشعور يأتي من مقدار التغيير الملحوظ الذي تلمسه في حياة كلّ فرد من أفراد المبادرة. "تقدّم وتطوّر داخليّ من ناحية الخبرة العملية، والثقة بالنفس، والراحة النفسية".
إضافةً إلى ذلك، تشعر "كارول" بالسعادة لرؤية أفراد المبادرة ينتجون، ويؤثرون في مجتمعهم، ويشعرون بالرضى. وتقدّم "كارول" امتنانها لكلّ مؤمنٍ بأهداف المبادرة وعاملٍ فيها. لكلّ الذين سمحوا لهذا المجتمع الصغير الذي أسسته بأن يكون "ملجأهم الآمن". الأمر الذي سمح لها بالمقابل أن تكون شاهدة على التطوّرات الإيجابيّة في حياة أفراد المبادرة.
"لنتعاون معاً، لننجو"، كانت هي الجملة التي ختمت بها كارول رسالتها لكلّ أعضاء مبادرة "Uplifting Syrian Women"، ومتطوعيهم، وجمهورهم. وهذه هي كلمتها على الدوام، فما وجود المبادرة إلا لأجل جمهورها الذي يمنحها الاستمرارية. ولا يمكن الاستغناء عن دعم الكلّ للكلّ، والتعاون يداً بيد لتحقيق الأهداف المرجوة، وإحداث التغيير.