تتظاهر الأمّية المقنّعة بمستوى أساسي من القراءة والكتابة ولكن بمستوى متدني من الفهم والتحليل. بالإضافة إلى التخفّي عن الأنشطة اليومية والاجتماعية ذات الطابع المعرفي وتجنبها.
قد نعتقد أنّ الأمية -بمفهومها التقليدي- تشكل تهديداً حقيقياً للأجيال القادمة. إذ على الرغم من العمل الجاد والحثيث من قبل الأنظمة والمؤسسات الحكومية والجمعيات الأهلية لردم الهوة التي تخلّفها الأمية في المخططات التعليمية. إلّا أنّنا حقيقةً أمام معضلة أكبر وأشدّ خطورة. إذ هناك شكل آخر من الأمية، والذي يتجسّد بمظهر أساسي من المعرفة والثقافة مع وجود عجز عن مواكبة الأنشطة المعرفية وتحليل وفهم المعطيات.
تُعتبر الأمية المقنعة مشكلة ذات أثر سلبيّ على المجتمع. ”وتكمن خطورتها بأنّ الأميّين المقنعين يجهلون أمّيّتهم، أي أن أميتهم مخفية عن أنفسهم وعن الآخرين أيضاً. وتعني الأمية المقنعة أنّ الأميّين المقنعين لا يفهمون تماماً المعلومات والأفكار التي يتمّ تلقيها أو دراستها أو تطبيقها. إذ تقوم أفعالهم ومشاعرهم ومعتقداتهم على افتراضاتهم وأفكارهم ومفاهيمهم الخاطئة غير المعروفة.“¹
إضافةً لذلك، بحسب الأمم المتحدة: "يفتقر 617 مليون شاب حول العالم إلى مهارات الحساب والقراءة والكتابة الأساسية."² لذلك من الممكن أن تشكل الأمية المقنعة أرضيةً لانتشار الأمية الوظيفية المتمثلة بأماكن العمل الاقتصادية أو التعليمية وغيرها.
ويُعتبر الشخص أميّاً وظيفيّاً إذا ما كان يعجز عن المشاركة في جميع النشاطات التي تفترض إجادة القراءة والكتابة في عمله. والتي تساهم في تفعيل المجموعة أو المجتمع الذي ينتمي إليه. فنجد أنّ الأمية المقنعة لها يد في الخلل الوظيفي الذي يشهده المجتمع.³ ورغمَ أنّ الأمية المقنعة مرتبطة بمعدلات الفقر والخلفية المجتمعية، إلّا أنّها قد تؤدي بدورها إلى الإقصاء الاجتماعي والافتقار لاحترام الذات وانعدام التطوير والتفاعل مع المجتمع. وقريباً سوف نكون في صدد مواجهة مخاطر الأمية المقنعة عند الأطفال الذين يعانون من عسر قراءة وكتابة غير مُشخص.
وذلك بازياد ظواهر التسول والنمو الفكري السلبي لديهم على أرضية إقصائهم سواء من العائلة أو المدرسة.
لعلّ أبرز سمة تزرعها الأمية المقنعة في نفس الأميّ المقنع هي الخجل، والقلق من المعرفة، وعدم الثقة بالنفس. كما أنّها تتجلى بعلامات يتمّ عادةً إخفاؤها من قبل الأميّين المقنعين.
وتتمثل الأمية المقنعة عند الكبار بما يلي:
بينما تتجسد علامات الأمية المقنعة عند الأطفال بما يلي:
عموماً، يشعر الأميّ بالخجل والإحراج من أميّته نتيجة الوصم المجتمعي الذي يتعرض له وعدم حصوله على حقوقه. أمّا في حالة الأمية المقنعة، يكون الأميّ متجاهلاً لجهله، بل ويدّعي المعرفة. وذلك لعدم ثقته بنفسه لمواكبة التطورات والمعارف من حوله، وهذا يزيد من سوء حالته النفسية وينعكس سلباً على أدائه الاجتماعي.
وعلى الرغم من انتشار هذه الظاهرة إلّا أنّه ما زال الصمت مخيماً حول الحديث عنها ومعالجتها. وذلك بسبب المشاكل والقضايا المتشابكة معها. والطريقة الأهم لمعالجة الأمية المقنعة تتمثل باعتماد استراتيجية تعليمية تنقل جميع الأفراد في مختلف المراحل التعليمية من مرحلة التلقين إلى مرحلة التفاعلية.
يعد انتزاع جذور المشكلة أهمّ من معالجة آثار المشكلة. وباعتبار التعليم المحور المُشوه في الأمية المقنعة، يكمن النجاح في مواجهتها والقضاء عليها في تبني ثقافة التعليم التفاعلي والمستمر. كما يُعتبر التشجيع على عمليات التعلم الذاتي، بما فيها التعلم عبر الإنترنت خياراً جيداً للحاق بالركب.
ولا يمكن تحقيق هذه الإجراءات من دون التمتع بالمسؤولية المجتمعية والتشاركية. ويمكن لكلّ فرد أن يساعد أقارنه في عملية التعلم وكسب المعارف. بالإضافة إلى تمكينه من الاستمرار في استخدام القراءة والكتابة والحساب لتطوّره الشخصي وتطوّر مجتمعه.
التعليم الجيد يعتبر من أهمّ الأهداف التي تسعى المبادرة للعمل على تحقيقها من خلال خدماتها المتنوعة. وذلك لتمكين النساء والنهوض بهن عموماً والسوريات خصوصاً.
إذ تقدّم المبادرة دورات تعليمية شهرية. تتمركز هذه الدورات التعليمية حول اختصاصات مختلفة تدعم التعليم الأكاديمي الذي تلقته الفتاة أو تتلقاه حالياً. وأيضاً، للراغبات في التعلم من الصفر، هناك دائماً دورات للمبتدئات في مختلف المجالات.
بالإضافة لورشات العمل التي تساعد الفتيات على امتلاك المهارات والأدوات اللازمة لدخول سوق العمل. فعليّاً تعدّ الأمية المقنعة كارثة متعددة الجوانب، سواء من الناحية الاقتصادية، أو تدهور الصحة النفسية والجسدية، والعزلة الاجتماعية، والتبعية، والمسائل القانونية وغيرها.
وإذا لم يتمكن التعليم أو الأسرة من تأمين شريان الحياة للطفل وتخصيب تعليمه، سيكون هناك فرصة خطيرة ومرعبة للمستغلين لضخ أفكارهم ومبادئهم في ذهنه، خاصةً في زمن التكنولوجيا المعاصر.
لذلك لا تتوقفوا عن التعلم وتطوير أنفسكم، وساهموا بمساعدة شبابنا وأطفالنا وآبائنا وادعوهم لتطوير أنفسهم علمياً ومعرفياً.
اقرأ أيضاً:
المصادر
[1] Shafaq
[2] UN
[3] UNESCWA
[4] E3arabi