اضطراب ثنائي القطب هو مرض نفسي يجعل المريض يعيش حياة مزدوجة تتأرجح بين السّعادة الغامرة والتعاسة اللانهائيّة. والشعور أن الحياة مرهِقة في محيط لا يفهم التقلبات الفجائيّة التي لا سيطرة لنا عليها. كما تزداد رغبة المريض في الاستقرار النفسيّ الذي ينعكس على استقراره في جميع مجالات الحياة الأخرى.
تابع قراءة مقالنا لفهم اضطراب ثنائي القطب أكثر. بالإضافة إلى ذلك ستتمكن من معرفة أعراض هذا الاضطراب وكيفية علاجه والتعامل معه.
هو اضطراب يجعل المصاب به في منتصف قطبين متنافرين لا يشبه أحدهما الآخر. وتنقسم الحياة فيه بين حقيقتين متعاكستين: الابتهاج والاكتئاب.
أيضًا، يُعرف اضطراب ثنائي القطب باسم (الاكتئاب الهوسي)، وهو حالة صحيّة نفسيّة تتميّز بتقلبات مزاجيةّ شديدة. وتتضمن فترات متناوبة من المزاج المُرتفع أو العصبيّ، وفترات الخمود أو الاكتئاب. قد تسبّب تبدّلات المزاج هذه شعوراً كبيراً بالضيق، وضعف قدرة الشخص على أداء نشاطاته اليومية.¹
يشمل اضطراب ثنائي القطب نوعين:
النّوع الأوّل: يعاني فيه المريض ارتفاعات شديدة في المزاج والطاقة الإيجابية، إلى جانب الانخفاضات الحادّة في المزاج والاكتئاب.
النّوع الثّاني: يتضمن فترات أقصر وأخف حدة من الابتهاج تتخللها فترات طويلة من الاكتئاب.¹
النّوع الأول شديد الارتفاع معروف باسم "نوبات الهوس"، ويمكن لحالة التّأرجح هذه أن تجعل المريض يتخبط بين الشعور بالضيق والشعور بأنّه قويّ. لكن تلك النوبات المبهجة تختلف عن مشاعر الفرح العاديّة فهي تتسبّب في أعراض مقلقة. مثل: الأفكار المتسارعة، والأرق، والكلام السريع، والتصرفات الاندفاعيّة، والسلوكيات المحفوفة بالمخاطر.²
أمّا مرحلة الاكتئاب من اضطراب ثنائي القطب فتتجلى بعدّة أعراض: مثل المزاج المنخفض، وتضاؤل الاهتمام بالهوايات، وتغيّرات في الشهيّة، والشعور بانعدام القيمة أو بالذّنب، والنّوم المفرط أو القليل، والأرق أو التّفكير المستمر بالانتحار.¹
يعتقد الباحثون أنّ العامل الرئيسيّ هو توصيلات الدّماغ المعقّدة، فالأدمغة السّليمة تحافظ على توصيلات عصبيّة قويّة بين الخلايا العصبيّة وإزالة الاتّصالات العصبيّة المعيبة.²
عند استخدام التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي؛ اكتشف العلماء أنّ قدرة الدماغ على التلقيم مُعطّلة لدى الأشخاص المصابين باضطراب ثنائي القطب. ما يعني أنّ الخلايا العصبيّة تُنشئ شبكة من المستحيل التنقل فيها. لذا باستخدام الإشارات المربكة فقط يطوّر الأشخاص المصابون بالاضطراب أفكاراً وسلوكيّات غير طبيعيّة وأعراضاً ذهانيّة.²
إضافةً إلى ذلك، قد تظهر الأفكار الوهميّة والهلوسة خلال المراحل القصوى من اضطراب ثنائي القطب. ويُفسّر ذلك بالوفرة المفرطة لناقل عصبي يُسمّى الدوبامين.²
لكن مع ذلك، لا يمكننا أن نعزو اضطراب ثنائي القطب إلى سبب واحد فقط. يوجد أسباب أخرى مثلًا: العوامل الوراثيّة والصدمات الاجتماعيّة، قد تنشأ مشكلات في الأعصاب وتحفز ظهور أعراض اضطراب ثنائي القطب.²
لذا يُمثّل تشخيص اضطراب ثنائي القطب تحدياً نتيجة لكل هذه الأسباب المعقّدة.
عانت العديد من الشخصيّات عبر التّاريخ من اضطراب ثنائي القطب. نذكر منها: فيرجينيا وولف، وإرنست همنجواي، واسحق نيوتن، وثيودور روزلفت وغيرهم كثيرون.⁴
أمّا تشخيص اضطراب ثنائي القطب لأول مرّة؛ فقد كان في القرن التاسع عشر على يد الطبيب النفسيّ الفرنسي جان بيير فالريت. الذي أُطلق عليه اسم "La Folie Circulaire" أو الجنون الدّائري.³
يتمّ تشخيص اضطراب ثنائي القطب اليوم بناءً على أعراض الشخص وتاريخه المرضي وخبرات الطبيب للوصول إلى العلاج الأفضل. إضافةً إلى تعقيد عمليّة التشخيص. يعاني مرضى اضطراب ثنائي القطب من عدم تفهم المحيط لحالتهم.
ولا ننسى أنّ قلّة الوعي بالاضطرابات النفسيّة تشكّل عبئاً على المريض نفسه الذي يعجز عن تفسير حالته. وهنا إن لم يُعالج المرض، ستصبح النّوبات أكثر تكراراً وشدّة.²
لا تقتصر المعاناة على الضغوط النفسيّة والمشاكل الشخصيّة، بل قد يقيّد اضطراب ثنائي القطب الأداء التعليمي والمهني والعلاقات العاطفيّة والأمن المالي والسلامة الشخصيّة للمريض.²
على الرغم ممّا ذكرناه حتى الآن، فإنّ اضطراب ثنائي القطب قابل للسيطرة عليه. إذ يمكن أن تساعد بعض الأدوية مثل الليثيوم في إدارة الأفكار والسلوكيات. وذلك عن طريق تقليل النشاط غير الطبيعيّ في الدماغ، ما يؤدي إلى تقوية الروابط العصبيّة.
وتشمل الأدوية الأخرى المستخدمة بصورة متكررة مضادّات الذهان، التي تغيّر آثار الدوبامين. وقد يلجأ الأطباء إلى العلاج بالصدمات الكهربائيّة، والذي يُستخدم لعلاج حالات الطوارئ.³
إضافةً إلى العلاج الدوائي، قد يساعد العلاج النّفسي بصورة كبيرة. مثلاً، قد يساعد العلاج السلوكي المعرفي (CBT) المصابين على فهم حالتهم، وإدارة الإجهاد، وتطوير استراتيجيّات التأقلم.³ ويمكن للأشخاص المصابين باضطراب ثنائي القطب الالتزام ببعض التغييرات البسيطة في حياتهم وعاداتهم. مثل: ممارسة التمارين الرياضيّة، والنوم، والابتعاد عن الكحول.²
إنّ دعم الأفراد المصابين باضطراب ثنائي القطب يتطلب التعليم والتواصل والتعاطف من محيطهم. ولا بد من توفير بيئة داعمة ومتفهّمة، وتشجيع الأفراد على طلب مساعدة من أخصائيّ الصحة النفسيّة في المهام اليوميّة خلال نوبات الاكتئاب. إذ يمكنه المساعدة في إنشاء روتين يومي صحي، وتعزيز الرّعاية الذاتيّة، وتقديم المساعدة العمليّة في استقرار المصاب باضطراب ثنائي القطب.¹
في الختام، يعاني نحو 1 إلى 3% من البالغين في العالم من مجموعة واسعة من الأعراض التي تشير إلى الإصابة باضطراب ثنائي القطب. ومعظم هؤلاء الأشخاص هم أعضاء وظيفيّون ومساهمون في المجتمع.² يتحكّم هذا الاضطراب في حياتهم وخياراتهم وعلاقاتهم، لذا يعد إدراك مفهومه، وأعراضه، وأسبابه، وخيارات العلاج، وطرق الدعم، أمراً ضروريّاً لتهيئة بيئة تعزّز الاستقرار والراحة للمرضى.
ومن خلال زيادة الوعي، وتعزيز التعاطف، وتقديم المساعدة العمليّة، يمكننا دعم الأفراد الذين يعانون من اضطراب ثنائي القطب، ومساعدتهم مساعدة فعّالة على عيش حياة طبيعية ومُرضية.
اقرأ أيضاً:
المصادر