نبيلة النّابلسي، الأمّ النبيلة في فصول الدراما السورية.
بوجهِها الممتلئ وعينيها الحانيتين، تركت نبيلة النابلسي في ذاكرة السوريين أثر الأم العطوف المطمئنة لكل من يراها. جسدت النابلسي حالة فنية عظيمة متفرّدة في تاريخ الدراما السورية بأدوارٍ عدّة، وإطلالاتٍ مدروسة ممزوجة بين الاحترافية وصدق المشاعر، التي وصلت من قلبها إلى قلب جمهورها.
وُلدَت نبيلة النّابلسي عام 1949. ¹ فقدت والدها في عمر صغيرٍ، ممّا دفعها لخوضِ مشاقّ الحياةِ باكراً. إذ عمِلَت ممرضة، ولاحقاً على الآلة الكاتبة، إلى أن دخلت مجال الإعلانات في كلية الفنون الجميلة في دمشق.
عاصَرت النابلسي بدايات المسرح السوري. ورغم ظهورها المتواضع في فرقة المسرح الحرّ تحت إشراف الفنان الراحل "عبد اللطيف فتحي"، إلّا أنّها لفتت نظر المخرج الكبير "نبيل المالح" بجمالها وموهبتِها. فرشحها لبطولة فيلم "المخاض"، أحد أفلام ثلاثية الأجزاء "رجال تحت الشّمس" عام 1970. ¹
ثمّ مثلت مع الثّنائي المشهور دريد ونهاد، في العام التالي، في فيلم "امرأة تسكن وحدها". وفي عام 1975 شاركت نبيلة النابلسي في "فيلم العندليب".² غابَت نبيلة النّابلسي عن الوسط الفني لعشر سنوات، لتُبني عائلتها وتنشئ أطفالها.
عادت نبيلة النابلسي إلى السينما بفيلمين. إذ قدّمها المخرج "غسان جبري" في أولى أدوارها التّلفزيونية في مسلسل "دموع الملائكة". لتتوالى بعدها أعمالها الفنية التّلفزيونية تباعاً.
تقرّبت نبيلة النّابلسي للناس أكثر من خلال التلفزيون، ورغم أنّها لم تكن الأم الحنون في جميع أدوارها، فقد قدمت أدواراً متنوّعة. إذ أثبتت أنّها قادرة على الخروج من إطار الشخصيات المعتادة مؤدية الكوميديا على سبيل المثال، في مسلسل "قانون ولكن". بالإضافة إلى دورها الذي كسر النمطية في مسلسل "دمشق يا بسمة حزن"، المُقتبس عن الرواية الشّهيرة للكاتبة إلفة الإدلبي.
ما يجعل للنابلسي أثراً قويّاً وجميلاً إلى هذا الحدّ، كونها تشكّل انعكاساً لكل امرأة نراها حولنا. كما لو أنّها اختصرت المرأة السورية في شخصها بطريقة ما. ولَم تعد الأمّ السوريّة التي طرحتها نبيلة محصورة بنمطها التقليديّ المُعتاد، بل أظهرت الأم بصورة الإنسانة القويّة المؤثّرة. وتجسّد ذلك في الكثير من أدوارها كـ"الفصول الأربعة" و"ليسَ سراباً".
هذه الأعمال محفورة في ذاكرتنا رُغم الموت الذي غيّب الفنانة الكبيرة منذ سنوات. إذ ملامِحها اللطيفة باقية وصَوتها القوي الحنون ثابت، وهو باقٍ إلى الأبد كتجسيد لأمهاتنا، وللسوريات جميعهن.
تنوعت مسيرة الفنانة الرّاحلة نبيلة النابلسي بالعديدِ من الأعمال، وبرزت في أنماط تمثيلية مختلفة. ففي المسرح، كان أبرز ما قدمته: "لحظة من فضلك"، "مطلوب مسؤول"، "الناس اللي تحت"، "شباب آخر زمن" و"خيوط العنكبوت".
في السينما التي أبرزت موهبتها وكانت نقطة تحول بارزة في حياتها، قدمت إضافة إلى الأعمال المذكورة في هذا المقال: "العار"، "وجه آخر للحب"، "نساء للشتاء"، "باسمة بين الدموع"، "شباب في محنة"، "بنات الحب"، "دمعي ودموعي وابتسامتي"، "ناجي العلي"، "أمونة تسكن وحدها"، و"غوار جيمس بوند".
أمّا في الدراما فقد كان للراحلة نبيلة النابلسي فيض من الأعمال ولا يسعنا ذكرها جميعاً، لكننا سنقدم لكم بعضها تقديراً واحتراماً لها.
قدمت نبيلة النابلسي تقريباً جميع ألوان الدراما من مسلسلات البيئة الشامية. مثل "حمام القيشاني"، و"ليالي الصالحية". إضافةً إلى الأعمال الدرامية المختلفة، مثل: "كهف المغاريب"، "الفراري"، "الأرجوحة"، "أحلام لا تموت"، "الحلم البرتقالي"، "اليتيم"، "بيت العيلة"، "قلوب في الميزان" و"أحقاد خفية". وبكل تأكيد دورها الذي لا يُنسى في مسلسل "الفصول الأربعة"، كما عملت الفنانة نبيلة النابلسي في العديد من الأعمال الإذاعية.
رحلت الفنانة نبيلة النابلسي بتاريخ التاسع والعشرين من شهر يونيو عام 2010، عن عمر ناهز 62 عاماً بعد معاناة من المرض.³ واعتبر رحيلها خسارة كبيرة للعالم العربي والفن السوري، وما زالت أعمالها تُعرَض حتى الآن على الشاشات.
نبيلة النابلسي الراحلة باقية أبداً بجمالها وملامحها الدافئة القريبة من قلوبنا، وموهبتها التي واكبت نضوج التجربة الدّرامية السورية، ووصَلت معها إلى قمّة العطاء دراميّاً وإنسانيّاً.
اقرأ أيضاً:
المصادر
[1] Daily Syria
[2] Marefa
[3] Mada Post