"لم يخطر في بالي يوماً أنَّ هذه الفتاة المحجبة الخجولة ستسافر إلى القيروان لاستكمال بحثها، لكنَّها فعلت."
- د. محمد فيصل الرفاعي المشرف على رسالة الدكتوراه للباحثة نجوى عثمان (1954-2009) في جامعة حلب.¹
الدّكتورة "نجوى أحمد عثمان" إحدى النَّجمات اللَّامعات في سماء الإنجازات السُّوريَّة، والَّتي أغنتها علماً وعطاءً. الدّكتورة نجوى أحمد عثمان حاضرةٌ على غيابها، إذ تركت لنا نتاجاً علمياً يُعادل نتاج مؤسسَّات بحالها أغنت به المكتبة العربيَّة والعالميَّة، إضافةً إلى إهدائها مكتبتها الخاصَّة لطُّلاب العلم.
الدُّكتورة نجوى عثمان من مواليد منطقة "الباب" في محافظة حلب عام 1954. عالمةً مُتخصِّصةٌ في تاريخ الهندسة والعمارة. نشاطها العمليُّ الواسع؛ جعلها معروفةً كباحثةٍ في تاريخ العلوم على مستوى سوريا والبلدان العربيَّة والعالم.
إنَّ الدُّكتورة كانت شغوفةً في الثَّقافة العربيَّة التُّراثيَّة والمعماريَّة والفكريَّة، فأغنتها بالأبحاث والدِّراسات في حياتها، وبعد رحيلها أهدت كُلّ ما جمعته حولها في مكتبتها الخاصَّة إلى المكتبة الوقفيَّة في مدينة حلب ليطلع عليها كُلّ المهتمين.
نشأت الدكتورة نجوى عثمان في منزل علمٍ وأدب، فكان والدها "أحمد الحمود عثمان" عالماً في النحو يقصده كل من صعبت عليه مسألة في النَّحو، وأنشأ كلُّ أبنائه على حبِّ العلم، حتَّى نالوا شهاداتٍ علميَّة عالية تتراوح بين البكالوريوس والدُّكتوراه وغدت هذه الأسرة منارةً علميَّةً.² أمَّا عن الدُّكتورة نجوى عثمان، فدرست الابتدائيَّة والإعداديَّة في مدينة الباب مسقط رأسها، ثمَّ التحقت بثانويَّة معاوية للبنات ونالت الشَّهادة الثَّانوية عام 1973م.¹
نالت إجازة في الهندسة المدنيَّة في جامعة حلب عام 1978، ثمَّ عملت محاضرةً في قسم التَّاريخ والآثار فيها، وبعد ثلاث سنواتٍ من عملها في اختصاصها، انصرفت إلى دراسة التُّراث العربي الإسلامي فالتحقت بمعهد التُّراث العلميّ العربيّ ونالت فيها درجة الماجستير في "تاريخ العلوم عند العرب" وقدمت بحثاً تحت عنوان "الهندسة الإنشائيَّة في مساجد حلب" عام 1991. نالت درجة الدُّكتوراه في دراسة علميَّة بحثيَّة وميدانيَّة أجرتها في مدينة القيروان تحت عنوان "دراسة مقارنة بين المساجد القديمة في حلب ومدينة القيروان في تونس" عام 1998.
إنَّ نتاج الدُّكتورة نجوى عثمان في المجال الميداني والفكريّ مهمٌّ وكبيرٌ، ويُمكن أن نذكر:
مؤلفات الدكتورة نجوى عثمان الَّتي كانت قيد التَّحرير عند رحيلها:
حصلت الدكتورة نجوى عثمان على جوائز وتقدير لإسهاماتها ، منها:
أغنت الدُّكتورة نجوى عثمان المكتبة العربية بأبحاثها ودراساتها المتميزة، التَّي بلغت 35 بحثاً ودراسةً علميةً، إضافةً إلى مشاركتها في العديد من المؤتمرات والنَّدوات وحلقات البحث العلميَّة.
لم يسعف الوقت الدُّكتورة نجوى عثمان لإكمال الكثير من مشاريعها العلميَّة ولمتابعة مشوارها العلميّ المُتميّز، إذ كانت الدُّكتورة تُعطي كلّ بحثٍ حقَّه من العمل والجهد والبحث النَّظريّ والعمليّ فكانت تُسافر إلى عدَّة مناطق لإنجاز دراستها وإغنائها بالصُّور والقرائن الماديَّة ونذكر منها على سبيل المثال: "الآثار والأوابد التاريخية في حلب وكلس وغازي عينتاب". ومن الجدير بالذكر أنَّ جامعة حلب طبعت هذا الكتاب بعد وفاتها مُترجَماً إلى التُّركيَّة (صفحة بالعربيَّة وصفحة بالتركيَّة) عام 2009.
كتب أخوها الدُّكتور الجامعي حسن عثمان:
"أرتني خطاباً وصلها من جامعة كامبريدج في بريطانيا يعرض عليها التعاقد لتُدرّس فيها تاريخ الهندسة براتبٍ شهريٍ عالٍ جدّاً إلّا أنّها رفضت العرض. علماً أنّ جامعة كامبريدج من أرقى ثلاث جامعات على مستوى العالم. سألتها: لماذا؟، فأجابت: "لقد تعبتُ كثيراً في تحصيل العلم، أريد أن أنفع به أهل بلدي".
وكتب المهندس بسَّام العموري، رئيس لجنة الإعلام والنَّشر في فرع النَّقابة: "إنّ رحيلها المبكر عنَّا ترك فراغاً كبيراً يصعب على شخصيَّة غيرها أن تملأه؛ لأنّ عطائها كان بلا حدود وإخلاصها منقطع النَّظير، وتفهمها واسعٌ لمهنة الهندسة والتراث وغيرها من المجالات الأدبية والإعلامية".³
توفيت في التاسع من شباط عام 2009 إثر حادث سير قرب مدينة "سراقب" على طريق "حلب/حمص" بعد أن انقلبت الحافلة، وأودى الحادث بحياة كُل ركابها الحافلة ومن بينهم باحثتين جزائريتين كانتا برفقة الدكتورة نجوى عثمان في رحلة بحثيَّة إلى مدينة "جبلة" في السَّاحل السُّوري.²
كفريق عمل Uplifting Syrian Women نفخر بكلِّ امرأة لمعت في مجالها وأتقنته، وغدت منارةً لكل ساعٍ إلى العلم، والدكتورة نجوى عثمان تمثِّل صورة عن المرأة السُّوريَّة المثابرة التي اختارت العلم طريقاً لتسمو بنفسها وببلدها.
اقرأ أيضاً:
المصادر
[2] E Syria
[3] City Albab