اليوم الدولي للتضامن الإنساني
اليوم الدولي للتضامن الإنساني
"النوع الإنساني لا يتم وجوده إلا بالتعاون"، هذا ما قاله فيلسوف وعالم الاجتماع العربي ابن خلدون عن التعاون والتضامن.
- ابن خلدون، مؤسس علم الاجتماع. [1]
إذ لطالما تعاون الناس وتضامنوا في السراء والضراء في جميع المجتمعات الإنسانية. وأخذوا مفهوم التضامن على عاتقهم وبدؤوا يطبقونه ويساندوا بعضهم بعضاً بكل ألفة ومحبة. لكن اليوم تختلف الأمور في ظل الظروف الراهنة وما نتعرض له من حروب وأزمات صحية متعاقبة.
فأي شخص غير راضٍ عما هو الواقع اليوم سيرى إحياء اليوم الدولي للتضامن الإنساني على أنه مجرد طرح للشعارات من قبل تلك المنظمات التي تعنى بخير البشرية جمعاء. وأنه في الواقع الذي نعيش فيه ليس هناك ما يدعى تضامن. وكل ما في الأمر أنه يوجد تناحر وتنافس شرس لتحقيق المصالح والغايات للدول والشعوب. وإذا ما نظرنا إلى ما وصلنا إليه اليوم فإن هذه النظرة المتشائمة تبدو صحيحة.
مفهوم التضامن الإنساني
يُعرّف التضامن في إعلان الألفية بأنه أحد القيم الأساسية للعلاقات الدولية في القرن الواحد والعشرين. إذ يستحق الذين يتعرضون للمعاناة بأشكالها المختلفة المساعدة والعون ممن استفادوا منها بشكل أكبر. وعليه فإن تعزيز التضامن الإنساني في ظل الظروف الراهنة وتحدي التفاوت المتزايد، يعد أمراً بالغ الأهمية.
ولذلك أعلنت الجمعية العامة يوم 20 ديسمبر، على أنه اليوم الدولي للتضامن الإنساني. إيماناً منها بأن تعزيز ثقافة التضامن وروح المشاركة هو أمر هام للقضاء على مختلف العقبات. وتم تعزيز مفهوم التضامن من خلال إقامة مبادرات. على سبيل المثال، إنشاء صندوق تضامن عالمي للقضاء على الفقر وإعلان اليوم الدولي للتضامن الإنساني. بوصفه عنصراً هاماً في تقليل الفقر وإشراك جميع أصحاب المصلحة ذوي الصلة. [2]
أهداف وأهمية التضامن الإنساني
يتلخص الهدف العام من التضامن الإنساني في إنشاء بيئة ملائمة للقيام بما يلي:
- القضاء على جميع أسباب التفاوت وعدم المساواة بين الدول وداخلها.
- القضاء على كافة العقبات الهيكلية والعوامل التي تولّد الفقر وعدم المساواة وتسبب استمرارهما.
- على الصعيد العالمي؛ إنشاء علاقة قوامها الثقة والاحترام المتبادل بين الدول والجهات من الدول المختلفة.
- تعزيز السلام والأمن والتنمية وحقوق الإنسان. وتعزيز نظام اجتماعي ودولي يتيح إعمالاً كاملاً لجميع حقوق الإنسان والحريات الأساسية. [3]
وتأتي أهمية التضامن الإنساني من كونه:
- القوة التي تحرك المجتمع. فأي مجتمع يتكون من مجموعة من الأفراد المتضامنين والمتكاتفين الذين يهدفون إلى جعل المجتمع أكثر ترابطاً وتماسكاً. فالمجتمع الذي لا يوجد فيه ترابط وتكافل وتضامن بين أفراده يكون مجتمعاً هشاً وضعيفاً يسهل تفكيكه والسيطرة عليه دون أي جهد يذكر.
- وسيلة لتحقيق غايات الناس وأهدافهم. فكل فرد مهما بلغت قوته لا يستطيع أن يحقق كل الغايات والأهداف بمفرده. وبالتالي الحياة السوية يلزمها أفراد يتعاونون معاً. والمجتمع الجيد هو الذي يتعاون أفراده مع بعضهم البعض. ويقدم كل منهم الجهود والمهارات التي يستطيع القيام بها، كلٌّ في مجال اختصاصه. وبهذا وحده يمكن أن تكتمل غايات الناس وتتحقق مطالبهم.
أن كل الدول والحكومات تدرك جيداً ما هو مفهوم التضامن في المجتمع، لتحقيق أقصى درجات القوة بالبلاد. لذلك تقوم الغالبية من الدول بإنشاء تكتلات وأحزاب تنشر مفهوم التضامن في المجتمع. من أجل الوصول إلى أفضل نتيجة ممكنة. [4]
التضامن في إطار عمل الأمم المتحدة
وضّح مفهوم التضامن عمل الأمم المتحدة منذ قيامها. فجمع إنشاء هذه المنظمة شعوب العالم وأممه على تعزيز السلام، وحقوق الإنسان، والتنمية الاقتصادية والاجتماعية. تأسست المنظمة على فرضية أساسية للوحدة والانسجام بين أعضائها. وتم التعبير عنها بمفهوم الأمن الجماعي الذي يستند إلى التضامن بين الأعضاء ’’لضمان السلم والأمن الدوليين‘‘.
تعتمد المنظمة على مفهوم التضامن ’’لتحقيق التعاون الدولي لحل المشاكل الدولية بأي طابع سواء الطابع الاقتصادي أو الاجتماعي أو الثقافي أو الإنساني‘‘. وحددته على أنه أحد القيم الأساسية والعالمية التي يجب أن يتم عليها بناء العلاقات بين الشعوب في القرن الحادي والعشرين. تقرر في هذا الصدد أن تعلن 20 ديسمبر من كل عام يوماً دولياً للتضامن الإنساني.
أحدثت الجمعية العامة صندوق التضامن العالمي بوصفه صندوقاً استئمانياً تابعاً لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي. والهدف منه القضاء على الفقر وتعزيز التنمية البشرية والاجتماعية في البلدان النامية. ولا سيما بين الجماعات أو القطاعات الأكثر فقراً من سكانها. [5]
أنواع التضامن الإنساني
التضامن لا يأخذ نمطاً معيناً لأن القدرات تتفاوت ما بين عصر وآخر ومعطيات هذا الفرد تختلف عن معطيات الآخر.
النوع الأول: التضامن النفسي. أشهر نوع من أنواع التضامن، إذ يقدم الإنسان مختلف أشكال الدعم النفسي لغيره. ويُمكن تقديم هذا النوع من أنواع التضامن على نطاق ضيق فيكون ما بين الأخوة والأقارب والأصدقاء. فيحاول الإنسان أن يستمع إلى شكوى أخيه الإنسان ومساعدته على التخلص مما يشعر به من مساوئ. ومن أهم الأمثلة على ذلك التضامن مع قضايا النساء والأطفال. وقد يكون التضامن النفسي على شكل أوسع من ذلك بحيث تتضامن الشعوب مع بعضها، مثل تضامن العرب مع إخوتهم الفلسطينيين.
النوع الثاني: التضامن السياسي. الذي يكون من خلال تقديم الدول المساعدة لبعضها. من خلال المواقف السياسية التي تؤيد فيها الدول دولاً أخرى لتحقيق مطالبها ورفع الظلم عنها.
النوع الثالث: التضامن الاقتصادي. ويكون على نطاقين: النطاق الأول واسع، من خلال تضامن الشعوب بين بعضها. إذ يُقدم شعب على توفير بعض المواد الغذائية والطبية وإرسالها للجمعيات التي تتكفل بإيصال تلك المواد إلى الشعوب الضعيفة. ويبرز ذلك في التضامن في الكوارث الطبيعية وويلات الحروب. وهناك تضامن اقتصادي على نطاق ضيق، من خلال توفير بعض فرص العمل لأبناء الشعب الواحد. إذ يُقدم بعض النّاس على إنشاء مجموعة من المشاريع الخاصة التي تؤمن وظائف صغيرة لأصحاب الدخل المعدوم.
النوع الرابع: التضامن الاجتماعي. الذي يشكل نقطة داعمة لأفراد المجتمع بأكمله. إذ يساعد القوي منهم الضعيف بأي طريقة ممكنة، سواء أكانت المساعدة مادية أم معنوية.
إنّ أي نوع من أنواع التضامن وأي مثال من الأمثلة على التضامن يضمن فائدة حقيقية لأبناء المجتمع. سواء أكان المتَبرع أم المُتبرع له. ويؤدي إلى توثيق روابط التواصل بين أبناء الشعب الواحد وأبناء الشعوب المختلفة. [6]
تفعيل التضامن الإنساني بشكل واقعي في المجتمع
أي اعتراض على موضوع "التضامن الإنساني" يكون صحيحاً، إن تم أخذ التضامن ككلمة بالمعنى الواسع. أي كلمة بلا تفسير واقعي، ولا يمكن تنفيذها على أرض الواقع. لكن ما تطمح إليه الأمم المتحدة من إحياء هكذا يوم ليس مجرد تعبيرات مجازية وإنشائية عن التضامن الإنساني. بل تنفيذ لخطط فعلية على الأرض تحت عنوان "التنمية المستدامة". أي أن التضامن بين البشر مرتبط بالتنمية التي تسهم في تخفيف وتيرة النزاعات والخلافات. وتقدم الخطط الإنمائية في مختلف المجالات بدءاً من التبادلات التجارية والاقتصادية في تنمية قطاعات التعليم والصحة لضمان استقرار المجتمعات. كذلك في ما يتعلق بالتعاون البيئي على المستوى العالمي، بغية تخفيف حدة التأثيرات التي تتركها التغييرات البيئية في حياة الأفراد والشعوب على حد سواء. [1]
التضامن في زمن الجائحة
إذا ما توجب على البشرية إظهار التضامن الإنساني، فإنه سيكون خلال الأوبئة والأزمات للتي تضرب البشرية جمعاء. من دون تمييز بين الدول والشعوب.
وما جائحة كورونا إلا إحداها، التي كان ينبغي أن يظهر فيها التضامن الإنساني في أعلى مستوياته. إذ أظهرت هذه الجائحة أنه على الحكومات في جميع أنحاء العالم ضمان استمرار توفر الخدمات الصحية الأساسية وحماية النظم الصحية. ومساعدة الناس على مواجهة الشدائد من خلال الحماية الاجتماعية والخدمات الأساسية. [1]
التضامن من أعظم الأخلاق التي إن امتلكها الإنسان يكون قد امتلك زمام الخير والفضيلة. ولا يتحقق التضامن ما لم يشعر الإنسان بهمّ أخيه الإنسان. التضامن هو اللفظة التي تشعر الشخص بالأمان عند حلول الخوف. فيعلم الفرد الواحد من أفراد المجتمع أنّه ليس وحيداً بل كثيرةٌ هي الأيادي التي تنتشله من بين الحجارة التي قد تعثر بها. فتطمئن روحه وتستبشر نفسه ويعلم أنّ هذه الدنيا ما زالت بألف خير ما بقي فيها أناس يشعرون بغيرهم، ويقدمون لهم المساعدة دون فائدة ترتجى من وراء ذلك.
ويبقى بذلك السؤال معلقاً فهل سيتمكن العالم من إرساء مبادئ التضامن وتفعليه على أرض الواقع؟
اقرأ أيضاً:
المصادر
[2] UN
[3] OHCHR
[4] Almrsal
[5] UN
[6] Mawdoo3
اليوم الدولي للتضامن الإنساني قراءة المزيد »