Maryana Marrash- A Woman of History
ميانا مراش- امرأة من التاريخ
سنسردُ قصة إبداع الأديبة مريانا مراش حلبيّة الأصل التي سعت بكلِّ طاقتها إلى تطوير المرأة والمجتمع السوريّ.
تعرضت المرأة السورية مؤخراً لتشويه صورتها في العصور السابقة ووصِفت بالانغلاق والافتقار للعلم والثقافة والأدب. لكن ولحسن الحظ كان التاريخ منصفاً لها وشاهداً على مواكبتها لجميع التطورات التي تخدم مجتمعها.
لذلك سنتحدث في هذا المقال عن أول امرأة سوريّة وعربيّة نشرت ديواناً شعريّاً، وأول امرأة دعت إلى الاجتماعات الأدبيّة.
من هي مريانا مراش؟
مريانا فتح اللّه مراش، كاتبة وشاعرة سوريّة حلبيَة. ولدت في شهر يوليو عام 1848 وتوفيت عام 1919 عن عمرٍ ناهز السبعين عاماً.
عاشت مراش في مجتمع كان يمنع العلم على الفتيات، ويحظر اختلاط النساء في المجتمع لأيّ سببٍ كان، نتيجةً للحُكم العثمانيّ. فعانت النساء في تلك المرحلة الزمنيّة الجهل في شتّى مجالات الحياة العمليّة والعلميّة، إذ كان العلم محصوراً في الشّباب. ومع ذلك فقد عاش المجتمع الحلبيّ عموماً ازدهاراً أدبيّاً وثقافيّاً مهمّاً في تلك المرحلة.
عاشت عائلة مريانا مراش من عملها في التجارة، كما ناهضت كثيراً في سبيل تطوير المرأة والمطالبة بحقّ تعليمها. أصر والد مريانا مراش أن يعلّم أبناءه الثَّلاثة (فرنسيس، عبد الله، مريانا). فأسّس لهم مكتبة ضخمة في منزله أسماها المكتبة المراشيّة؛ ليكتسبوا منها العلوم المختلفة.
بداية حياة مريانا مراش
مثل إخوتها، ذهبت ماريانا إلى المدرسة. اشتهر إخوتها بعملهم الثقافي. تأثر شقيقها فرنسيس بالكواكبي وطاهر الجزائري. ودعا إلى تطبيق الدستور وشجع الليبرالية وكان من أوائل العرب في صفوفها. لقد أثر بشكل كبير على ماريانا. لقد أحزنها موته بشدة فقامت بتأليف رثاء حزنًا على وفاته"فحزنُ يعقوبَ لا يكفي لندبك يا ندباً تفرَّد بالأجيال والعصر". وكان شقيقها عبد الله صحفياً متمرداً ينشر مقالاته في الصحف الأجنبية (الصحف الفرنسية والبريطانية).
كما أنّ منزل العائلة كان بمثابة مزار لعددٍ من أدباء ومثقفي حلب. وإحاطتها بهذا الجو الثقافي أعطاها دافعاً أكبر لاكتساب العلوم، وتطوير مهاراتها الأدبيّة. تعلّمت مريانا مراش -بفضل والدها- في مدارس فرنسيّة في حلب في وقتٍ كان فيه تعليم الفتيات أمراً مُستهجَناً. انتقلت بعدها إلى بيروت لمتابعة تعليمها في المدارس الإنجيليّة.¹
تلّقت مريانا مراش علومها باللّغة الفرنسيّة في حلب، وكذلك كان الأمر خلال دراستها في بيروت، فأحبّت اللّغة الفرنسيّة جدّاً. عليه تعرّفت مراش إلى المجتمع الفرنسيّ من أدبه وعلومه. كما تعلّقت بالمبادئ الثوريّة في الأدب والحياة الفرنسيّة، وحلمت بأن تزور فرنسا، وبأن تنقل المبادئ الثقافيّة إلى المجتمع العربيّ.
ومن ناحيةٍ أخرى، تفوّقت مريانا مراش موسيقيّاً، فغنّت بصورةٍ جميلة، وعزفت على آلتي القانون والبيانو. وعليه نلحظ أنّ احتضان عائلة مراش لها، وإصرار والدها على تعليمها وتطوير مهاراتها الأدبيّة والعلميّة والموسيقيَة، أغنى المجتمع السوريّ والعربيّ على حد سواء.
أعمال مريانا مراش الأدبية
عملت مريانا مراش على تحرير المرأة ثقافيّاً وفكريّاً حتّى تنهض بالمجتمع العربيّ عامّةً. فنقلت الكثير من الفِكَر التحريريّة الأدبيّة التي لاحظتها في فرنسا.
- الصالون الأدبي:
إذ كان اجتماع الرجال والنساء في صالون واحد في تلك الحقبة من الأمور المعيبة. لكنّ مراش جمعتهم في صالونٍ أدبيّ، فكانت أول من طبّق هذه الفكرة في المجتمع العربيّ، وبدأت حلقات الفكر تتطوّر. ومن أبرز الحاضرين في تلك الاجتماعات الثقافيّة نذكر: رزق الله حسون، وقسطاكي الحمصي، وجبرائيل دلال، وكامل الغزي، والكثير من مثقفي حلب من الجنسين، إضافةً إلى دبلوماسيين أجانب.
وكان زوار الصالون الأدبيّ من زوار منزل عائلة مراش، فلم تتعذّب مراش كثيراً في دعوتهم. ناقش الصالون الأدبي الفكر الموسيقيّ والاجتماعيّ والسياسيّ والأدبيّ، وتضمن لعب الشطرنج والورق.
من الموضوعات التي تمّ مناقشتها: المعلّقات، وأعمال فرانسوا رابليه.
- المقالات الصَّحفيَّة:
تعدّ مريانا مراش من أوائل النساء العربيّات اللواتي نشرن في المجلات العربيّة باسمهنّ الصريح. كان أول مقال لها (شامة الجنان)² في مجلّة الجنان عام 1870، في العدد الخامس عشر في عامها الأول من النشر. طرحت فيها موضوعات نقديّة للأعمال الأدبيّة في تلك الحقبة.
ثمّ تتالت مقالاتها في مجلَّة (لسان حال) إذ تطرَقت إلى موضوعات مجتمعيّة. حثّت فيها أبناء شعبها وبناته على التخليّ عن مظاهر الجهل في العادات والتقاليد السائدة. ونشرت دعواتها المُحقَّة في تعليم المرأة، إضافةً إلى دعوتها إلى اقتباس المظاهر الحضاريّة المفيدة من الأمم المختلفة للنهوض بالمجتمع السوريّ.
لم تكن مقالات مريانا مراش بدائيّة، بل كانت لغتها لغة أديبةٍ مُبدعةٍ. تحثّ القارئ على الاستلهام من المقال، واستخلاص المُفيد، وناقشت القارئ بطريقة واقعيّة لتصل إلى مرادها. إضافةً إلى تقديمها صور حضاريّة مختلفة، تحثّ فيها أبناء بلدها على الاقتداء لتطوير المجتمع فكريّاً وثقافيّاً واجتماعيّاً.
أعمال مريانا الفكرية
كان لمريانا مراش أعمال تنوعت بين الأدبيّة والفكريّة. إذ من يعيش في عائلة زادها العلم والثقافة، وروادها من أهل الفكر، لا بدّ له أن ينضح علماً وأدباً وفكراً صافياً.
وكانت من أوائل الشاعرات العربيّات، وطبعت ديوانها الأول والوحيد في بيروت تحت عنوان (بنت فكر)³ الَّذي صدر عام 1893.
أول مجموعة شعريّة لامرأة سوريّة، سمّته (بنت فكر) لأنَّها ناتجة عن فكرٍ متنوع غريزيّ يكون لدى كلّ إنسان. دعت فيه إلى الحب والتفكير والتحرّر من السائد المتخلف، وأهدت مراش ديوانها الشعريّ إلى السلطان عبد الحميد الثاني. وذكرت في الديوان لتصف حالها، وما تعرّضت له من مضايقات بسبب فكرها المنفتح:³ "فلو كانت الأيَّام تنصف أهلها لما كان بينُ شتت الشَّمل بالبُعد"
ونذكر أيضاً من أعمالها الفكريّة (تاريخ سوريا الحديث) الذي تحدّث عن تاريخ سوريا في أواخر حكم العهد العثمانيّ لها.
إن الرائدات السوريّات تفوقن في مجالات متعدّدة، وأوصلن أصواتهنّ بقوّة إلى العالم بأسره. وما رائدتنا مريانا مراش إلّا نجمةً في سماءٍ سوريّة أنارت العالم بكلّ قوتها، ولا يزال أثرها واضحاً وجليَّاً إلى يومنا هذا.
وكما قالت مراش: ”فما لنا لا نخلع عنا أثواب التَّواني والكسل. ونلبس أثواب النّشاط ونُقدم على العمل. ونحن من بنات القرن التاسع عشر الذي فاق في التمدّن كلَّ قرون البشر. كيف لا نُبيّن للرجال لزوم دخول النساء إلى جنَّات العلوم الأدبيَّة.“⁴
اقرأ أيضاً:
المصادر
Maryana Marrash- A Woman of History قراءة المزيد »