إن العلاقة بين المياه النظيفة والنظافة الشخصية علاقة متينة. فلا وجود للنظافة بدون وجود الماء. لذلك، ما من شيء على سطح الأرض يضاهي الماء أهمية، فهو عصب الحياة وسر الوجود. إضافةً إلى ارتباط نشوء الحضارات بتوفر المياه، إذ إنّ أعظم الحضارات قامت على ضفاف الأنهار لترتبط استمراريتها بوفرة المياه النظيفة للطعام والشراب، وكذلك مياه السقاية للحيوانات والأرض. كان الحفاظ على الماء شيئاً جوهرياً وأساسياً منذ القدم، ولا يزال إلى يومنا هذا.
على الصعيد العالمي، انخفض عدد الأشخاص المحرومين من الحصول على مصدر مياه محسّن -مياه نظيفة خالية من أيّ تلوث خارجي- إلى النصف على مدار الخمسة وعشرين عاماً الماضية. وذلك من خلال سعي البلدان الأكثر فقراً لتوفير مياه نظيفة وصرف صحي ملائم لجميع مواطنيها بصورة مستدامة. ونتيجةً لذلك حصل ما يتجاوز ربع السكان في البلدان منخفضة الدخل وما يتجاوز نصف السكان -من الشريحة الدنيا- في البلدان متوسطة الدخل على مرفق صرف صحي محسّن عام 2015.
إن توصيل إمدادات المياه وخدمات الصرف الصحي ليس مجرد تحدٍّ لتأمين مصدر محسّن. بل يرتبط ارتباطاً جوهرياً بتغير المناخ، وإدارة موارد المياه، وندرة المياه النظيفة، وجودة المياه. إذ يعتبر حصول الإنسان على مياه نظيفة وخدمات صرف صحي ملائمة حق من حقوقه الأساسية. كما يدعم بشكل كبير المجالات التنموية الأخرى المرتبطة بالزراعة والاقتصاد والطاقة على سبيل المثال.
لهذا ينص الهدف السادس من أهداف التنمية المستدامة على أنّ الإدارة الناجحة والمستدامة للمياه تتعدى فكرة توصيل إمدادات المياه أو الصرف الصحي. بل تشمل أيضاً معالجة سياق المياه الأوسع، مثل:
كثير من بلدان العالم تواجه خطر قلة المياه النظيفة، الأمر الذي يكثف الدعوات إلى ترشيد استخدام المياه. ويتزامن ذلك مع التزايد المستمر للطلب على المياه. هذا وقد انخفض نصيب الفرد من إمدادات المياه العذبة بحوالي النصف على مدار الخمسين عاماً الماضية. واليوم تُصنف منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وجنوب آسيا ضمن المناطق التي تعاني من الإجهاد المائي. إذ يتاح لكل شخص أقل من 1700 متر مكعب من المياه سنوياً.¹ أيضاً يزيد استخدام المياه في الزراعة ولأغراض توليد الطاقة من حدة المنافسة على استخدام المياه. إذ يستحوذ قطاع الزراعة على أكثر من 70% من سحب المياه العذبة عالمياً.¹
من المتوقع أنّه بحلول عام 2050 سيصبح توفير المياه لكوكب يعيش على الاستهلاك المتزايد تحديّاً صعباً للغاية. إذ تُشير التقديرات أيضاً إلى أنّ الطلب على توليد الطاقة -وهو نشاط تُستخدم فيه المياه بكثافة- سيزداد، بالتالي سوف يزداد معه سحب المياه لأغراض توليد الطاقة بنسبة 20% على مدار العقدين المقبلين.¹ أيضاً، كما من المتوقع أن يقود تغير المناخ إلى تفاقم الوضع عن طريق زيادة الإجهاد المائي في المناطق القاحلة، وزيادة وتيرة الظواهر المناخية المتطرفة وحجمها.
وبحلول عام 2030، من المتوقع أن يعاني نصف سكان العالم الإجهاد المائي.¹ أما من أجل الحفاظ على النمو الاقتصادي وحماية واستعادة النظم الإيكولوجية المتصلة بالمياه، على الكثير من البلدان -بما فيها البلدان مرتفعة الدخل- إلى إدارة مواردها المائية بمزيد من الفعالية.
كما يفرض زيادة استهلاك المياه العذبة والتلوث ضغوط متزايدة على نظم المياه العذبة، ما يؤدي إلى تهديد استدامة مورد المياه نفسه وقيمته للبشر وللنظم الإيكولوجية. بالمقابل، قلّلت استثمارات البنية التحتية الضخمة -لا سيما في البلدان الثرية- بطريقة كبيرة من تهديد الأمن المائي البشري (من ناحية جودة المياه على الأقل).
إضافةً إلى أنّ حماية النظم الإيكولوجية المتصلة بالمياه وترميمها يتطلبان إجراء تحسينات كبيرة في إدارة الموارد المائية، لا سيما في البلدان النامية. كما يتطلب ضخ استثمارات ضخمة في البلدان المتقدمة والنامية على حد سواء. وهذا يعتبر أمر أساسي لحماية قاعدة الموارد اللازمة لتوفير مياه نظيفة للجميع.¹
في عام 2015 حصل 91% من سكان العالم على مصدر مياه محسّن، متجاوزاً بذلك مقصد الهدف الإنمائي للألفية البالغ 88%.¹ إلّا أنّه لا يزال أكثر من 660 مليون شخص محرومين من الحصول على مياه نظيفة (معظمهم في المناطق الريفية أو جنوب الصحراء في أفريقيا).¹ كما يُنفق أكثر من 250 مليون دولار من الناتج الإجمالي المحلي سنوياً، وذلك في البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط بلا فائدة ملموسة، ويرجع ذلك لعدم ملاءمة إمدادات المياه وخدمات الصرف الصحي، وقد يمثل هذا الرقم حوالي 7% من الناتج الإجمالي المحلي على مستوى بلد ما.¹
حتى من يحصل على المياه، فغالباً ما تكون الخدمة غير ملائمة أو مستدامة، كما تكون المياه الواردة من مصدر محسّن غير آمنة للشرب.
يحصل 68% فقط من سكان العالم على مرافق صرف صحي محسّنة للنظافة الشخصية، وهذا يقل عن مقصد الهدف الإنمائي للألفية والبالغ 77%.¹ يسعى الهدف السادس من أهداف التنمية المستدامة إلى ضمان حصول الجميع على خدمات الصرف الصحي الملائمة. بالإضافة إلى وضع حد لاستخدام العراء ليكون مرفقاً صحياً، والذي يؤدي بدوره إلى تلويث المياه ونشر الأمراض، مثل الكوليرا، الإسهال، والزحار.
بحسب الأرقام الدولية، يموت نحو 842 ألف شخص سنوياً، وذلك نتيجة الإسهال (لشرب مياه غير نظيفة)، أو لسوء خدمات الصرف الصحي أو غياب الصحة العامة.¹ وتظهر المشكلة على نطاق واسع في المناطق الريفية في جنوب آسيا وأفريقيا (جنوب الصحراء)، إذ يعيش 7 من كل 10 أشخاص مفتقرين للمرافق الصحية المأمونة في مناطق ريفية، أغلبهم في أفريقيا جنوب الصحراء وجنوب آسيا.¹
إضافةً إلى ذلك، فإنّ التحول والتطور الحضري السريع يسهم في عدم حصول أكثر من 700 مليون شخص من قاطني المناطق الحضرية على خدمات صرف صحي. إذ تُعالج 10% فقط من مياه الصرف الصحي بالمناطق الحضرية من البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل. ومع زيادة كمية مياه الصرف الصحي، كذلك يرتفع التأثير على الصحة العامة.¹
إنّ توفير المياه النظيفة للجميع حاجة ضرورية وملحة ومن الأساسيات المهمة للعالم الذي نريد أن نعيش فيه. إذ يوجد لدينا كميات كافية من المياه العذبة لتحقيق هذا الهدف. وعلى الرغم من ذلك فإنّ ضعف عجلة الاقتصاد يؤدي إلى موت الملايين سنوياً ومن بينهم الأطفال.
لذلك تبذل غالبية البلدان -ومن بينها سوريا- كل جهودها لضمان توفير المياه النظيفة، وضمان النظافة الشخصية. كما تشارك في عدة مؤتمرات عالمية سنوية من بينها: مؤتمر الأمم المتحدة للتنمية المستدامة، و مؤتمر القمة العالمي للتنمية المستدامة، للوقوف على خطوات تأمين المياه النظيفة.
هذا والتزمت سوريا بوضع الآليات التي تكفل تنفيذ الأنشطة المتعلقة بمشاركة مختلف مكوّنات الشعب السوري في تحقيق أهداف التنمية المستدامة جميعها. وهنا لا يمكن إغفال دور الجهات الداعمة مثل "إنصاف للتنمية"، التي تعتبر منظمة إنسانية مقرها سوريا، تعمل في مجالات الخدمة والتعليم والمجتمع. إذ تقدم كثيراً من الجهود في سبيل تأمين المياه النظيفة لجميع الناس. كما تقدم منظمة "الرؤية العالمية" الخدمات والأنشطة لمساعدة كثير من المتضررين، أو ممن يعانون من نقص في الحاجات الأساسية.²
الحفاظ على الماء من أهم القضايا التي تسعى الدول لإيجاد حلول لها في ظلّ انتشار الجفاف من خلال العمل على الأصعدة كلها. وتوفر الماء مرتبط ارتباطاً مباشراً بالحياة والبقاء. ولو حدث واندثر وجود الماء على الأرض ستنتهي الحياة بلا شك. إذ أنّه كما وصفه العرب قديماً: "الماء أهون موجود وأعزّ مفقود". تظهر المعاناة الشديدة لدى الكثير من الدول التي تُعاني من شح الأمطار، وانعدام وجود المصادر المائية مثل البحار والأنهار والينابيع. وهذا بحدّ ذاته يُشكل التحدي الأكبر بالنسبة إلى الدول والحكومات.
فهل ستتمكن الدول من إيجاد الحلول اللازمة والكافية؟ والسؤال الأهم: كيف سيحل الناس مشكلة نقص المياه النظيفة وتدبر أمور النظافة الشخصية لحين وضع الحلول المناسبة؟
اقرأ أيضاً:
المصادر
[1] World Bank
[2] UNESCWA