"الناس لا يتدخلون حين يتعلق الأمر بما يسمى جريمة الشرف لأنهم يعتقدون بأن النساء ملكية خاصة للرجال والعائلة، وهناك استباحة وتواطؤ مجتمعي عنفي مع هذه الفكرة".
- المحامية عزة سليمان، رئيسة مجلس أمناء مؤسسة قضايا المرأة المصرية.
تتمتع قضية جريمة الشرف بكامل العناصر التي كافحت النساء عبر العصور لمحاربتها، ففيها الظلم الشديد للمرأة، اللاعدالة في الحكم والعقاب، الصمت المجتمعي على استلاب الحقوق، القوانين الذكورية الجائرة التي لا تدعم حق المرأة، في هذا المقال سنسلط الضوء على بعض من جوانب هذه القضية آملين أن تشعل فيكم بعضاً من الاندفاع للقضاء على هذه الظاهرة المجتمعية.
يطلق مصطلح جريمة الشرف على الجريمة التي يرتكبها الذكر بحق الأنثى بحجة الدفاع عن شرف العائلة، أو شرفه هو. غالباً ما يكون الذكر من أقرباء الأنثى، ولكن سجلت بعض الحالات التي لم يكن هناك صلة بين مرتكب الجريمة والضحية، ويكفي الشك بتخريش الشرف ليكون زناد الإطلاق لهذه الجريمة.
وفي معظم الحالات يتم "غسل العار" على حساب المرأة فقط، دون أن يقع شيء من الضرر على شريكها المفترض. تختلف وسيلة القتل بين الذبح أو الخنق، إطلاق الرصاص، وهناك بعض الوسائل الأشنع كالدفن وهي على قيد الحياة أو الرجم، وقد ترتكب الجريمة علناً أمام أعين الناس، وقد ترتكب بالسر وتبقى طي الكتمان.
اقرأ أيضاً: ما هو مفهوم التشرد وكيف يمكننا أن نحد منه؟
كانت المبارزات التي تجرى بين رجلين تنتهي غالباً بموت أحدهما تهدف للدفاع عن الشرف، ومثّلت جريمة قتل المرأة بدافع أخلاقي البديل الآمن للدفاع عن الشرف. [1]
فالشرف حسب عدة مصادر: هو مكانة الفرد الاجتماعية والاحترام الذي يحظى به، وصفات مثل النبل الأخلاقي والوفاء بالوعد وحفظ العهد والدفاع عن المستضعفين وحفظ كرامة البلاد والعباد.
ولهذه الكلمة وقع شديد على الأنفس في جميع المجتمعات وخاصّة الشرقية، وكدليل على تأثير مصطلح "جريمة الشرف" نلاحظ عدم تدخل المارّة عندما ترتكب جريمة الشرف علنيّاً بمجرد إفصاح الجاني بأن الدافع هو "الشرف"، حتى لو كان الضحية ذكراً.
فنلاحظ في هذه الحالات قبول مجتمعي واسع يمتد ليشمل أحياناً أجهزة الدولة، ولاتزال قوانين العقوبات في بعض الدول العربية تمنح حكماً مخففاً لمرتكبي جريمة الشرف. [1]
في سوريا، تجمّع القدر الأكبر من السعي لمناهضة هذا النوع من الجرائم في الجانب القانوني، وقد أشارت ريما فليحان -ناشطة في مجال حقوق الإنسان- أن القانون هو ما يسهل ارتكاب جرائم من هذا النوع، مع استفادته من تخفيف الحكم. وفي عام 2005 أطلق "مرصد نساء سوريا" حملة "لمناهضة جرائم الشرف" بهدف إلغاء المادة 548 من قانون العقوبات السوري، بهدف معاملة القتلة بهذا العذر -العذر الشريف- كالقتلة بأي عذر آخر، دون إمكانية الاستفادة المسبقة من هذا القانون. [2]
وللتوضيح؛ هذا مقتطف من المادة 548 التي تنص على أن "يستفيد مرتكب القتل أو الأذى من العذر المخفف إذا فاجأ زوجه أو أحد أصوله أو فروعه في حالة مريبة مع آخر". وبفضل الجهود السورية المستمرة والمؤتمرات والحملات المتكررة صدر في عام 2020 القانون رقم 2 القاضي بإلغاء المادة 548 من قانون العقوبات السوري. [3]
لا تزال الجهود مستمرة لمناهضة هذا القبول المجتمعي والعرف الثقافي السائد بجواز هذا النمط من العنف المطبّق على النساء.
إن تعديل القوانين والأنظمة التي تحمي الجاني في مثل هذه الجرائم، خطوة لا بد منها في الطريق للقضاء على هذه الظاهرة، ولكنها وحدها لا تكفي. لأن الشرف كمفهوم له مكانة عزيزة جداً بين أفراد المجتمع، هذا ما جعله التهمة الأسهل التي ترتكب في ظلها العديد من الجرائم بحق النساء، لذلك لا بد من الفصل بينهما، حتى نتلافى القبول المجتمعي للجرائم التي تستتر بذريعة غسل العار.
وتزداد الضرورة في الجرائم التي ترتكب بناءً على الشك فقط، تحت شعار "اقتلها ثم تأكد" [1]، وذلك في العصر الحالي وتوفر وسائل التكنولوجيا التي برغم فوائدها العديدة إلا أنها يمكن أن تستخدم لتشويه سمعة فتاة بريئة، الأمر الذي يودي بحياتها في المجتمعات التي لا زالت متقبلة لجريمة غسل العار.
القتل جريمة لها أركانها كالجاني والضحية والدافع والمحاكمة والعقوبة، وهنا نتوقف للحظة ونسأل أنفسنا السؤال التالي: لماذا في حالة الضحية امرأة والدافع الظاهر هو الشرف تتغير قواعد المحاكمة، وتتغير العقوبة، وبدلاً من معاقبة الجاني تمدح شجاعته على غسل عاره؟
ختاماً، نحن في مبادرة Uplifting Syrian Woman نسعى لأن نكون المساحة الآمنة للنساء لتعبر فيها عن مشاكلها، ونقدم الحلول المتاحة والمتوفرة، لذلك نشجع النساء والفتيات اللواتي يتعرضن لأي نوع من أنواع الظلم أو التهديد بأن يستفيدوا من الخدمات التي تقدمها مبادرتنا، آملين بأن نعيش كنساء في هذا المجتمع بأمان.
♀ مبادرة (Uplifting Syrian Women) هي مبادرة تسعى إلى بناء سلام مستدام في سورية من خلال التركيز على النساء ومساعدتهنَّ عن طريق تقديم دورات وورشات عمل ومناقشات وتدريبات مجانية عبر الإنترنت؛ وذلك بهدف تحقيق أهداف المساواة بين الجنسين والتعليم الجيد وتحسين الوضع الاقتصادي، والتي تصب في صالح المجتمع عامةً وتخدم غرض إعادة بنائه.
المصادر
[1] BBC News
[3] SANA