Uplifting Syrian Women

The phenomenon of Infant abandonment in Syria

ظاهرة رمي الأطفال حديثي الولادة في سوريا

ظاهرة رمي الأطفال حديثي الولادة في سوريا لم تعد غريبةٍ على أي سوري للأسف، هي ظاهرةٌ خطيرة تمثل أوضح مخلفات الحرب والجهل، وأكثرها إيلاماً وقسوة.
حسب مقال ورد في جريدة الوطن بتاريخ 12 مايو 2022: "كشف المدير العام للهيئة العامة للطب الشرعي الدكتور زاهر حجو أنه تم توثيق 38 حالة عثور على لقطاء منذ بداية العام الحالي وحتى تاريخ إعداد الخبر منهم 17 أنثى و21 ذكراً." [1]

هذه الظاهرة هي انعكاسٌ واضح للظروف الكارثية التي يعانيها الشعب السوري، والتي تتضمن ظروفاً اقتصادية، ومآسٍ أخلاقية نتيجة بشاعة الحرب وعنفها التي عاشها الشعب لمدة طويلة.

إضافةً لصعوبة الحياة الروتينية البسيطة المحملة بعبء الانتظار الدائم لأبسط مقومات الحياة. والتأثيرات النفسية الناجمة عن هذا الأمر، وتوقع الأسوأ دائماً، فالأوضاع في انحدارٍ دائم.

الأسباب وراء ظاهرة رمي الأطفال حديثي الولادة

يوجد العديد من الأسباب التي تخلق هذه الظاهرة القاسية:

  • أسباب اقتصادية:

مع دخول الحرب في سوريا عامها الحادي عشر، تواجه الأسر في جميع أنحاء البلاد مستوياتٍ غير مسبوقة من الفقر وانعدام الأمن الغذائي. يكافح المزيد من السوريين اليوم أكثر من أي وقت مضى لوضع الطعام على موائدهم.

إن الأعمال العدائية واسعة النطاق، والنزوح الجماعي عبر المحافظات الشمالية، إلى جانب التراجع الاقتصادي الحاد، تشير إلى أن الوضع العام للأمن الغذائي آخذٌ في التدهور في جميع أنحاء البلاد، وتحتاج الأسر إلى الدعم لتلبية احتياجاتها وإعادة بناء حياتها.

ويقدر برنامج الأغذية العالمي أن 12.4 مليون سوري يعانون حالياً من انعدام الأمن الغذائي. وهذه زيادة قدرها 4.5 مليوناً في العام الماضي وحده وأعلى رقم تم تسجيله على الإطلاق.

أدت الحرب السورية المستمرة إلى استنفاد أصول المجتمع والقضاء على سبل كسب العيش وتآكل قدرة الأسرة والمجتمع على الصمود. [2]

  • أسباب اجتماعية:

بالرغم من سوء الأوضاع الاقتصادية والتدهور الدائم لها، لكن الأنماط الاجتماعية السائدة تشكل السبب الرئيسي في الإساءة إلى الأطفال.

الضغط الاجتماعي الدائم من قبل المجتمع فيما يخص حتمية الزواج والإنجاب يشكل السبب الأكبر لظواهرٍ مثل ظاهرة رمي الأطفال، والعنف الأسري، وعمالة الأطفال. لأن الأسباب التي تدعو الأفراد للإنجاب ليست مبينة على قناعاتٍ شخصية.

كما أن العديد من الآباء والأمهات قد يكونون غير مؤهلين نفسياً لتحمل مسؤولية الأطفال.

إضافة للعديد من الأفكار السائدة التي تشجع على الإنجاب دون الاكتراث للواقع الاقتصادي الذي تعيشه الأسرة مثل المقولة الشائعة: "الولد بيجي وبتجي رزقتو معو"، التي للأسف يصدقها العديدون وتكون سبباً للانحدار الدائم في الوضع المعيشي للكثير من الأسر.

  • ضعف الوعي بالصحة الإنجابية:

في كثير من المناطق السورية لا تزال ثقافة تحديد النسل ضعيفةً نتيجة الجهل وعدم الدراية الكافية بكيفية وأهمية استخدام وسائل منع الحمل.

  • جرائم الاغتصاب والعلاقات غير الشرعية:

ما زال الكثير من أفراد المجتمع لا يفرّقون بين المجرم والضحية في جرائم الاغتصاب، ويعاقبون الطرف الأضعف دائماً الذي هو المرأة. بالتالي بدلاً من أن تسعى الضحية لكشف المجرم والحصول على حقها، تكتفي بالسكوت خوفاً من أحكام المجتمع وفي كثير من الأحيان خوفاً على حياتها من المقربين منها، وخصوصاً في حالة حصول حمل. فإما أن تلجأ للقيام بالإجهاض بطرق غير شرعية مما يعرّض حياتها للخطر، أو تنتظر قدوم الطفل وتتخلص منه بطرقٍ قاسيةٍ في حال لم يتم قتلها من قبل المقربين منها.

أما العلاقات الغير شرعية فتتسم عادةً بالتهرب من المسؤولية دون إدراك الآثار الكارثية التي تنجم عن التخلي عن الأطفال.

الجانب القانوني لهذه الظاهرة

المادة 484 من قانون العقوبات تنص على أنه من طرح أو سيب ولداً دون السابعة من عمره أو أي شخص آخر غير قادر على حماية نفسه بسبب حالة جسدية أو نفسية عوقب بالحبس من 3 أشهر إلى سنة. وإذا طرح الولد أو العاجز أو ترك في مكان مقفر كان العقاب من سنة إلى 3 سنوات.

المادة 487 من قانون العقوبات: "إن الأب أو الأم اللذين يتركان ولدهما الشرعي أو غير الشرعي أو ولداً تبنياه سواء رفضا تنفيذ موجب الإعالة الذي يقع على عاتقهما أو أهملا الحصول على الوسائل التي تمكنهما من قضائه يعاقبان بالحبس مع التشغيل ثلاثة أشهر على الأكثر وبغرامة لا تتجاوز المائة ليرة." [3]

مصير الأطفال بعد التخلي عنهم

يُعرّف القانون السوري مجهول النسب بأنه "الوليد الذي يُعثر عليه، ولم يثبت نسبه أو لم يُعرف والده، بالإضافة إلى الأطفال الذين لم يثبت نسبهم ولا يوجد معيل لهم، والذين يضلّون الطريق، ولا يملكون القدرة للسؤال عن ذويهم لصغر سنهم، والمولود من علاقة غير شرعية وإن كانت والدته معروفة".

سُنَّ القانون السوري لمجهولي النسب عام 1970، ولم يخضع لأي تعديل جوهري منذ ذلك الوقت، سوى بصدور بعض المراسيم، مثل تغير كلمة "لقيط" إلى "مجهول النسب". وفي عام 2018، طُرح مشروع قانون جديد لمجهولي النسب تحت قبة مجلس الشعب لمناقشته. وعلى الرغم من أنه ليس جديداً بمضمونه، ومصاغٌ فحسب وفق صياغة تشريعيةٍ جديدة، فلم يتم إقراره.

لا توجد سوى دار رعاية حكومية واحدة لمجهولي النسب، وهي في دمشق. في مدينة حلب، تمّ السماح مؤخراً لجمعية "كفالة الطفولة" الأهلية - بتكليف من وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل - بإنشاء دارٍ لهم تملك صلاحيات الدار الحكومية نفسها، وتطبق عليها القوانين نفسها تحت إشراف الوزارة. أما الأطفال الذين يتم العثور عليهم في باقي المحافظات، فيتم تحويلهم إلى دمشق.

وفق القانون، يجب على من يعثر على طفل تبليغ الشرطة أو المختار فوراً، بغية تنظيم المحضر اللازم بذلك، وتسليمه إلى إحدى المؤسسات أو الأشخاص الذين تعتمدهم وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل. [4]

للأسف بغض النظر عن المعاناة التي قد يعانيها هؤلاء الأطفال في دور الرعاية، والإحساس الدائم بأنهم غير مرغوب بهم من قبل ذويهم، فالمجتمع هو الذي يلعب الدور الأكبر بالإساءة لهم بدلاً من التعاطف معهم بوصفهم ضحايا لا ذنب لهم. فالمجتمع يعزز لديهم الإحساس بالرفض عن طريق نبذهم في كثير من المواقف، خصوصاً فيما يتعلق بالزواج وإنشاء عائلة، وهو أكثر ما قد يحتاجوه، الشعور بالانتماء والدفء.

الحلول

  • يكمن الحل بشكل أساسي بتوعية الأفراد بالمسؤوليات المترتبة عن الإنجاب اجتماعياً، واقتصادياً، وأخلاقياً.
  • إضافة لزيادة الوعي بأهمية استخدام وسائل منع الحمل وتوفيرها مجاناً لمن يحتاجها بكافة المشافي والمستوصفات الصحية الحكومية.
  • كما أن تحسين الوضع المعيشي بشكلٍ عام ينعكس إيجاباً على جميع جوانب الحياة، ومنها الجانب الأخلاقي الذي من شأنه أن يحد من ظاهرة رمي الأطفال الغير أخلاقية.
  • تطبيق قوانين تضمن حقوق الأطفال المولودين إثر جرائم الاغتصاب، والعلاقات الغير شرعية وتأهيل ذويهم نفسياً ليكونوا أهلاً للاهتمام بهم.
  • ضمان حماية المرأة التي تعرضت للاغتصاب من أية إساءةٍ قد تتعرض لها، مما يحد من اتخاذها لإجراءات مؤذية بحقها أو بحق طفلها.
  • تغيير الصورة النمطية في المجتمع تجاه الأطفال مجهولي النسب.

الجهود المبذولة للحد من ظاهر رمي الأطفال حديثي الولادة

للأسف لم يتم اتخاذ أي إجراءٍ حقيقيٍّ على أرض الواقع للحد من هذه الظاهرة، ولم يتم اعتبارها ظاهرة أصلاً. أفاد عضو المكتب التنفيذي لقطاع الصحة والشؤون الاجتماعية والدفاع المدني في محافظة دمشق، باسل ميهوب، لإذاعة "شام إف إم" المحلية: "أن الخط البياني المتعلق بوجود أطفال متروكين في الشارع لا يدل على وجود ازدياد، وخلال مدة شهر إلى شهرين تبين أن الحالة نقطية"، مشيراً إلى أن "الازدياد يعني تحول الحالة من سلوك إلى ظاهرة وإيجاد 4-5 حالات يوميا". [5]

على أمل أن يتم أخذ هذه الظاهرة بعين الاعتبار وما لها من آثار كارثية على بنية المجتمع، ومعالجة أسبابها التي قد تؤدي إلى مشاكل أخرى.

في مبادرتنا نسعى لتغيير الأفكار السائدة الخاطئة في المجتمع، ونحاول نشر الوعي بأهمية المساواة بين الرجل والمرأة وإحداث تغييرٍ إيجابيٍّ من خلال مناقشة المواضيع التي تهم المجتمع. فالتغيير الحقيقي ينتج عن التغيير التدريجي للأفكار.

اقرأ أيضاً: دور التعليم في بناء السلام.

مبادرة USW مبادرةٌ تسعى لتحقيق السلام وبنائه في المجتمع السوري خاصةً والمجتمعات العالمية عامةً من خلال التعليم وما تقدمه بشكل تطوعي خدمي ومجاناً من دوراتٍ تعليميةٍ وورشاتٍ تفاعليةٍ وجلساتٍ نقاشيةٍ حوارية لتفعيل حرية النقاش والتشاركية، وبهدف تحقيق أهداف المساواة بين الجنسين والتعليم الجيد وتحسين الوضع الاقتصادي، والتي تصب في صالح سلام المجتمع عامةً وتخدم غرض إعادة بنائه.

المصادر

[1] Alwatan

[2] WFP

[3] Learning Partnership

[4] Assafir Alarabi

[5] Al7al