"لا يكفي الحديث عن السلام، يجب على المرء أن يؤمن به، ولا يكفي الإيمان به، يجب على المرء أن يعمل بجد لتحقيقه."
-إليانور روزفلت. [1]
يعرّف السلام بأنه غياب الحروب والمشاكل والنزاعات الطائفية والعرقية والدينية، وخطابات الكراهية وتساوي الحقوق بين جميع أفراد المجتمع، الأمر الذي يخلق جوّاً من الأمان والاستقرار ويساعد على التطور والنهضة.
أما العيش معاً في سلام فهو "أن نتقبل اختلافاتنا وأن نتمتع بالقدرة على الاستماع إلى الآخرين والتعرف عليهم واحترامهم، والعيش معاً متحدين في سلام".
وهذا الأمر ينطوي على تقبل كافة الأديان والأعراق والتساوي بالحقوق والواجبات بين جميع الأفراد، وأحقية الشخص بالحصول على فرصة عمل وحياة كريمة، وتساوي الجميع أمام القانون.
ونظراً لأهمية هذا الأمر أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 16 مايو يوماً عالمياً للعيش معاً في سلام بهدف توضيح أنّ هذا اليوم يحتاج إلى جهود معظم دول العالم لتعزيز التسامح والتضامن والسلام والتكافل.
وهو دعوةٌ إلى جميع بلدان العالم لزيادة التعاون والمصالحة، وذلك من خلال العمل مع كافة الأطراف من المجتمعات المحلية ورجال الدين والجهات الفعالة الأخرى من أجل إيجاد تدابيرَ فعالةٍ تمكننا في يوم من الأيام وبالرغم من جميع الاختلافات من تحقيق عالمٍ ينعم بالسلام والتضامن. [2]
اقرأ أيضاً: اليوم الدولي لتعددية الأطراف والدبلوماسية من اجل السلام.
تعد خطابات الكراهية المنتشرة بكثرة في الوقت الحاضر من أكثر الأمور التي تفتعل المشاكل والأزمات، نظراً لما تبثّه من مشاعرَ قد لا تحرّض على العنف بشكلٍ مباشرٍ، إلا أنها تزرع بذور الغضب والتعصّب التي تشجّع على التمييز والعداوة بناءً على العرق أو الدين أو الجنس، وتعطي الشرعية لأعمال العنف.
بالإضافة إلى أنّ وجود الصورة النمطية والأحكام المسبقة على بقية الأشخاص من أكثر الأمور التي قد تزيد المشاكل، لذلك لابدَّ من وجود إدارةٍ حكيمةٍ للتعدد العرقي والديني، وذلك من خلال مساعدة الجميع على أداء طقوسهم وعاداتهم في راحة وأمان وبوجود قانونٍ يحمي الجميع ويساوي بينهم مهما اختلف انتماؤهم العرقي أو الديني. [3]
للعيش في سلامٍ وأمانٍ أهميةٌ كبيرةٌ على صعيد الفرد والمجتمع، فالسلام لا يعني عدم وجود النزاعات والحروب فقط، بل يتطلب مجموعةً من المواقف والقيم التي ترتكز على الاحترام الكامل للسيادة وحقوق الإنسان وتقبّل الرأي الآخر والتعايش بين الثقافات والحضارات المختلفة، ولا يخفى على أحدٍ أن جميع شعوب العالم تطمح إلى السلام الذي يحقق أحلامهم وطموحاتهم ويؤمن للجميع حياةً كريمةً بعيداً عن التعصب والتمييز والعنف.
كما أن جود السلام حول العالم يحقق الكثير، إذ يساعد شعوب العالم على التعلم واكتساب الثقافة ونشرها، وبناء الحضارات بالإضافة إلى أن البيئة التي يحققها السلام تساعد على الإبداع والإنتاج مما ينعكس إيجابيّاً على حياة الفرد والمجتمع.
وبالنهاية لا بد من ذكر أن السلام يرفع الإنسانية إلى مستوى الوجود الاجتماعي المتحضر بينما تقودها الحروب إلى الهمجية. [4]
أما على صعيد الدول العربية فلعل أكثر ما يعيق تطبيق مبدأ العيش معاً في سلام هي مشاكل التنمر وعدم المساواة بين الجنسين، والتنمر ظاهرة عدوانيّة غير مرغوب بها تنطوي على مُمارسة العنف والسلوك العدواني من قبل فردٍ أو مجموعة أفراد نحو غيرهم، وقد يكون له عدة أشكال، بدنيٌ: لفظيٌ، اجتماعيٌ، نفسيٌ والكترونيٌ.
غالباً ما يكون الأطفال هم ضحية هذا التصرف المؤذي، الأمر الذي ينتج عنه جيل فاقد للثقة بنفسه وفاقد للتركيز مما يؤثر سلباً على التحصيل الدراسي لهؤلاء الأطفال مستقبلاً ليصل بالنهاية إلى جيلٍ لا يعرف لغةً سوى العنف. [5]
وفيما يخصّ المساواة بين الجنسين فإن الدول العربية تمتلك ثاني أكبر فجوةٍ على مستوى العالم بين الرجال والنساء بعد جنوب آسيا وفقاً لمؤشر التنمية الجنسانية (GDI)، إذ يقدر بأن الدول العربية تحتاج ما يقارب 153 عاماً للقضاء على هذه الفجوة.
كنتيجةٍ مباشرةٍ لعدم المساواة بين الجنسين فحققت النساء والفتيات نسبة أٌقل في التنمية البشرية 14.4% من الرجال خلال العشرون عاماً السابقة.
أما على صعيد العمل تمتلك الدول العربية النسبة الأدنى عالمياً في معدل المشاركة الاقتصادية للمرأة (26% مقارنة بالمتوسط العالمي الذي يبلغ 56%). وعلى النقيض من ذلك، فإن معدل مشاركة الرجل في القوى العاملة (76 %) أعلى من المعدل العالمي الذي يبلغ 74 %. وبقيت هذه الأرقام تأبى التغيير بعناد رغم تحسن المستويات التعليمية للنساء. بالإضافة إلى المشاركة المحدودة للنساء في المناصب الإدارية الأمر الذي ينعكس سلباً على القرارات المتخذة في كثير من الأحيان.
مما سبق نستنتج أن الدول العربية بشكل عام تحتاج الكثير من العمل لإحلال مبدأ العيش معاً في سلام لما تعانيه من مشاكل، الأمر الذي يعيق تطبيق أهداف التنمية المستدامة ويجعل الدول العربية بعيدة حتى الآن عن مبدأ العيش معاً في سلام. [6]
وانطلاقاً من مبادئ وقيم مبادرتنا فإن العيش معاً في السلام لا يتحقق إلا عند تحقق المساواة بين الرجل والنساء على كافة الأصعدة لأن السلام مرتبطٌ ارتباطاً وثيقاً بحصول المرأة على حقوقها، بالإضافة إلى الرسالة التي تسعى المبادرة لنشرها وهي أحقية جميع الأشخاص مهما اختلفت أعراقهم أو أديانهم بالعيش في ظروف صحية وجيدة تؤمن لهم حياة كريمة.
♀ مبادرة (Uplifting Syrian Women) هي مبادرة تسعى إلى بناء سلام مستدام في سورية من خلال التركيز على النساء ومساعدتهنَّ عن طريق تقديم دورات وورشات عمل ومناقشات وتدريبات مجانية عبر الإنترنت؛ وذلك بهدف تحقيق أهداف المساواة بين الجنسين والتعليم الجيد وتحسين الوضع الاقتصادي، والتي تصب في صالح المجتمع عامةً وتخدم غرض إعادة بنائه.