هل تذكر تلك الحادثة التي نجوت منها منذ مدة؟ إن كنت قد نجوت فعلاً، لأنه في حال كنت لا تزال عالقاً فيها، ولا زالت تفاصيل التجربة المؤلمة-أيّاً كان نوعها-تهاجمك من حينٍ لآخر بنفس المشاعر والذعر والاضطرابات المرافقة، مرغمةً إياك على الهرب من كلّ ما يرتبط بها، فأنت لم تنجُ بعد، وهذا ما يعرف علمياً باضطراب ما بعد الصدمة PTSD.
هو أحد اضطرابات القلق، وينجم عن أحداثٍ مرهقةٍ أو مخيفةٍ قد يتعرض لها الشخص. غالباً ما تكون هذه الأعراض شديدة ومستمرة بشكلٍ كافٍ لتؤثر على حياة الشخص اليومية (أكثر من 4 أسابيع) .[1]
أي حالةٍ يجدها الشخص مؤلمة يمكن أن تسبب له اضطراب ما بعد الصدمة، وغالباً ما تشمل حوادث الطرق الخطيرة، والاعتداءات العنيفة، الأمراض والمشاكل الصحية الخطيرة وتجارب الولادة. [1]
بالإضافة إلى الحروب، والكوارث الطبيعية والإرهاب ورؤية مشاهد العنف أو الموت. [2]
يمكن أن يتطور الاضطراب على الفور بعد تعرض الشخص لحدثٍ مزعج، أو يمكن أن تأخذ الأعراض بضعة أسابيع أو شهور أو حتى سنوات حتى تبدأ بالظهور. [1]
اقرأ أيضاً: ما هو اضطراب القلق المعمّم؟
غالباً ما يستعيد المصاب الحدث الصادم من خلال الكوابيس والذكريات، وما يرافقها من مشاعر العزلة والتهيّج والشعور بالذنب. قد يعاني أيضاً من صعوبة في التركيز ومشاكل في النوم مثل الأرق والكوابيس. [1] كما قد تتطور لدى المصاب أفكارٌ انتحارية ونوبات هلع. [2]
وأحياناً تظهر هذه الأعراض نتيجة التعرض لأحداثٍ مؤلمةٍ على المدى الطويل، وليس حدثاً واحداً بعينه وهذا ما يعرف باضطراب الصدمة المعقّد، وينجم عن التعرض المتكرر للمواقف المؤلمة؛ مثل الإهمال الشديد وسوء المعاملة والعنف، ويسبب أعراضاً مشابهةً لاضطراب مابعد الصدمة وقد لا يتطور إلا بعد سنواتٍ من الحدث. وإذا تم التعرض في وقت مبكرٍ في الحياة تكون أعراضه أكثر شدّةً، وقد يؤثر سلباً على النمو الطبيعي للطفل.[1]
يُقدّر أن اضطراب ما بعد الصدمة يؤثر على حوالي 1 من كل 3 أشخاص سبق وتعرضوا لتجربةٍ مؤلمة، ولكن مازالت الأسباب وراء إصابة بعض الناس دون غيرهم غير واضحةٍ تماماً، رغم وجود بعض عوامل الخطر المحتملة التي تزيد نسبة الإصابة بهذا الاضطراب؛ نذكر منها: وجود تاريخٍ من الإصابة باضطرابات الصحة العقلية مثل اضطراب الهلع أو الاكتئاب أو الوسواس القهري، وعدم تلقي الدعم الكافي من الأسرة والمجتمع المحيط بعد التعرض للحدث المؤلم، بالإضافة إلى أنّ بنية الدماغ والهرمونات يمكن أن تلعب دوراً في الإصابة باضطراب ما بعد الصدمة.[2]
لحسن الحظ، يمكن علاج اضطراب ما بعد الصدمة بنجاح، حتى عندما يتطور بعد سنواتٍ عديدةٍ من وقوع الحدث الصادم، ويعتمد العلاج على شدة الأعراض وطول مدة استمرارها. ففي البداية تتم مراقبة الأعراض لمعرفة ما إذا كانت تتحسن أو تزداد سوءاً دون علاج، ثم يتم اللجوء إلى العلاج الدوائي؛ مثل مضادات الاكتئاب، والعلاجات النفسية؛ مثل العلاج السلوكي المعرفي الذي يركز على الصدمات (CBT). [1]
كما يجب التنويه على بعض "عوامل المرونة" التي قد تجعل حدوث اضطراب ما بعد الصدمة أقلّ احتمالاً، منها وجود شبكة دعمٍ قوية، وتعلّم استراتيجيات التأقلم الإيجابية لمعالجة المشاعر السلبية، والشعور بالرضا عن الإجراءات التي اتخذت لحظة وقوع الحدث الصادم.[2]
إن عشر سنواتٍ من الصراع المستمر والحروب التي أودت بحياة الآلاف من السكان وتسببت في تشريد ونزوح الملايين، لا بد أن تؤدي إلى مشاكل نفسيةٍ خطيرةٍ لا يمكن تخطيها بسهولة. وقد أجرت منظمة "إغاثة سوريا" البريطانية استبيانا على 721 من الشباب والشابات السوريين في لبنان وتركيا ومحافظة إدلب بشمال سوريا، لتعلن أن 75 في المائة منهم يعانون من سبعة أعراض على الأقل لاضطراب ما بعد الصدمة.
الأمر الذي علّقت عليه المعالجة النفسية والدكتورة جيدا الحكيم بقولها " إن معاناة "جزءٍ كبير" من السوريين من اضطراب ما بعد الصدمة ( PTSD) بعد مرور عشر سنوات على الحرب، "ليس بالأمرٍ الغريب"، لأن الاضطراب قد يبدأ بعد سنواتٍ من مواجهة الصدمة أو "التروما". [4]
ونحن بدورنا في مبادرة USW نؤكد على أهمية التوعية بهذا الاضطراب، خاصةً بعد سنينٍ طويلةٍ من الحرب في سوريا التي تحتمل حدوث كل أنواع الصدمات من اعتداءٍ وإرهابٍ ومشاهد الموت والعنف، وننّوه أيضاً إلى أن النساء أكثر عرضةً للإصابة من الرجال بهذا الاضطراب، فواحدة من كل 10 نساء تصاب باضطراب ما بعد الصدمة. [3]
♀ مبادرة (Uplifting Syrian Women) هي مبادرة تسعى إلى بناء سلام مستدام في سورية من خلال التركيز على النساء ومساعدتهنَّ عن طريق تقديم دورات وورشات عمل ومناقشات وتدريبات مجانية عبر الإنترنت؛ وذلك بهدف تحقيق أهداف المساواة بين الجنسين والتعليم الجيد وتحسين الوضع الاقتصادي، والتي تصب في صالح المجتمع عامةً وتخدم غرض إعادة بنائه.
المصادر
[1] NHS
[2] Health Line
[3] OWH
[4] BBC News