يمكن اختصار ضرورة الابتعاد عن التبصير والسحر في هذه الجملة "كذب المنجمون ولو صدقوا".
توقّع ومعرفة ما يُخبّئه لنا المستقبل كان ولا يزال مِن أكثر الفكر إغراءً للنَّفس البشريَّة. ونتيجةً لذلك رافق التبصير والسِّحر حضاراتٍ عديدةً وكان كلامُ العرّافين والعرّافاتِ يُؤخذُ فيه فِي معظم القرارات. حتَّى تِلكَ المرتبطة بتحديد المصير، وبقي هذا الأمر ضمن حَيِّز الاهتمام حتى وقتنا الحالي.
يُعرَّفُ التبصير أو "التَّنجيم" بأنَّه فضولٌ ورغبةٌ فطريّةٌ لدى الإنسان، نتيجةَ شعورِ الفرد بالفضول تجاه المستقبل. نشأ التَّنجيم بسببِ ما يمنحهُ من شعورٍ بالأمان وقدرةٍ على تقليل الخوف من المجهول بشكلٍ أو بآخرٍ، ولو كان ذلك يُعدُّ أمراً مؤقّتاً أو مخادعاً.
فكرةُ رؤية المستقبل في فنجان القهوة، ومعرفة مقدار التَّوافق مع شخصٍ ما من ترتيب حروف اسمه، أو معرفة صفاتنا وصفات الآخرين من معرفتنا لتاريخ ميلادهم فقط قد تبدو فكرةً ساحرةً ومُمتِعَةً.
تمَّ الاعتماد على التبصير من قبل شعوبٍ عديدةٍ في تحديد أمورٍ هامَّةٍ، منها: موعدُ فيضان نهرٍ، وموعد جفافه، وثورانُ البراكين. بالإضافة إلى مدى جودةِ المحاصيل الزِّراعيَّة، والشِّفاء من الأمراض التي كانوا يعتقدون أنَّها من عملِ أرواحٍ شريرةٍ تَدخُلُ جسدَ الإنسان، ووسيلةً من أجل إقامة طقوس مخاطبةِ الإله وعبادته.¹
تنتشر ظاهرة التبصير والسِّحر في عصرنا الحالي بشكلٍ كبيرٍ جدّاً، مع إحاطتها بنوعٍ من القُدسيَّة والسِّريَّةِ. وإن اختلفت التَّسميات والأساليب. فبات سماع فقرة الأبراج الصَّباحيَّةِ ومعرفة ما ستكشفه وتتنبأ به من أحداثٍ عادةً صباحيَّةً يوميَّةً وضروريَّةً عند البعض قبل القيام بأيِّ عملٍ. حتى المواضيع الحياتيَّة والمصيريَّة كاختيار شريكِ الحياة، باتت أموراً مرهونةً بمدى توافق أبراج الطَّرفين ووجهةِ نظر المنجمين في الأمر.
ومن المَلْحُوظِ بشكلٍ كبيرٍ مبالغةُ دعوةِ القنواتِ التِّلفزيونيَّة للمنجّمين والعرّافين واللقاء بهم في أغلب المناسبات الاجتماعيَّة. وذلك لأخذ مشورتهم وتنبؤاتهم في القضايا المصيريّة. ولا يتوقف الأمر هنا فمواقع التَّواصل الاجتماعيّ تضجّ بتصريحاتهم وفكرهم.
نظراً للظُّروف السَّائدة والصَّعبة التي يعاني منها النَّاس فإنّ اللُّجوء إلى عرّافٍ أو مُنجِّمٍ أمرٌ مُحبَّذٌ. وذلك لسهولته وللاعتقاد بأنّ نتائجه ستكون سماعَ تنبؤاتٍ مُريحةٍ قد تُسعد الشَّخصَ وتُذهبُ القلق عنه. ونتيجةً لكون المرأة في مجتمعاتنا تعيشُ ضمنَ ظُروفٍ وتوقعاتٍ صعبةٍ ورسمٍ مُسبَقٍ لخياراتها وترتيب حياتها، فستكونُ بالطَّبع أكثرَ ميلاً لهذه الأمور. إذ تحتاج لِسَمَاعِ أنَّ كُلَّ شيءٍ سيكونُ بِخيرٍ وذلكَ قد يدفعها للسَّعي خلفَ التَّنجيم والسِّحر، على أنَّه الحلُّ لتجاوز مشاكلها.²
هؤلاءِ العرَّافين -وعلى اختلاف تسمياتهم- يمتلكون قاعدةً شعبيَّةً وجماهيريَّةً تُؤمِنُ بهم وبفكرهم. فهم يشكلون بؤرةً حرجةً قد تُسهِم بنشر الإشاعات والفكر السَّلبيَّة المغلوطة. وهذا ما أثبتته الأحداث المختلفة، ففي حادثة زلزال 6 شباط عام 2023 الذي ضربَ سوريا وتركيا شكّلوا عاملاً سلبيّاً في ترهيب السُّكان عند نشرهم لإشاعات غير صحيحةٍ. وأغلب تصريحاتهم كانت خاليةً من أيّ استنادٍ علميٍّ أو واقعيٍّ. فكان هدفها الوصول إلى الجماهير وزيادة شهرتهم فقط بغض النظر عن النتائج.
إنَّ الانتشار الكبير لمثل هذه الظَّواهر يُهدِّد المجتمعات. وتأتي المعالجة لمثل هذه الظَّواهر بالأخذ بالعلم والمعرفة والوعي لحماية أنفسنا من الغرق في الفكر والإشاعات الكاذبة. وللأمر علاقةٌ مباشرةٌ بالحالة النَّفسيَّة وأسلوب تفكير المجتمعات. وهذا الأمر يُلزِمُنَا بتوجيه اهتمامٍ أكبرَ نحو هذا الموضوع حتَّى ندفع النَّاس للتفكير بإيجابيَّة وإيجاد حلولٍ منطقيَّةٍ (بغض النظرِ عن الظُّروفِ) وإيجادِ الأمان من أفعالهم وأقوالهم وليس من أقوال المنجّم.³
انتشرت ثقافة ربط التَّنجيم بعلم الفلك، واعتبار المنجّم متخصصاً بدراسة الفضاء والأجرام السَّماويَّة. لكنْ بالحقيقة توجد اختلافاتٍ جذريّةٍ بين المفهومين، فعلم الفلك هو العلم الذي يدرس الأجرام والكواكب والفضاء. يتمّ فيه تقسيم السَّماء إلى 12 برجٍ فلكيٍّ وهي الأبراج المعروفة لدينا جميعاً.
ومنه فإنَّ ولادة الأطفال في يومٍ مُحدَّدٍ من السَّنة يجعل لهم برجاً سماويّاً خاصّاً ضمن هذه المُدَّةِ، إذ يتحدَّد بحسبِ توضُّع مجموعاتٍ نجميَّةٍ مُحدَّدةٍ حول الشمس. إلّا أنّه ينفي تماماً وجود علاقةٍ بين البرج السَّماويِّ وصفاتٍ مُحدَّدةٍ يمتلكها مواليد هذا البرج. كما ينفي فكرة وجود آثار دخول أيِّ كوكبٍ إلى هذه المجموعة النَّجميَّة وانعكاسها شرّاً أو خيراً على مواليد هذه الأبراج. ناهيك على أنَّ عالم الفلك تمتدّ دراساته إلى دراسة الكيمياء والفيزياء الكموميَّة والنَّظريَّات النِّسبيَّة. ولذلك فإنَّ تصريحاته مبنيَّةٌ على أساسٍ علميٍّ وتجاربٍ دقيقةٍ.⁴
في الختام، علينا التَّنبيه إلى ضرورة الابتعاد عن كلام السِّحرة والعرّافين، وعدم الاستناد إلى التبصير والسحر في حياتنا اليوميّة. وذلك نظراً للآثار السَّلبيَّة التي يمكن أنْ يسبّبها لنا. ومن الأفضل أيضاً التَّأكد من صحَّةِ مصادر معلوماتنا بعنايةٍ بعيداً عن الهرطقات والإشاعات.
اقرأ أيضاً:
المصادر
[1] Almada
[2] Alwatan News
[3] Aljazeera
[4] Mawdoo3