سنروي اليوم حكاية جديدة لبطلة سورية بدأت قصتها من اللاذقية وانتشرت إلى العالم، وسنبدأ بأقرب جملها إلى قلوبنا تعريفًا بسيطًا عنها: "اِحلم أحلاماً كبيرة، ولو كانت بدايتك صغيرة، المهم أن تبدأ، فقط ابدأ." إنها ليلى ديب.
ليلى مديرة قسم هندسة البرمجيات في شركة (ESKO) في بلجيكا، تعمل في مجال الحلول التقنية المبتكرة، وهي مؤسِّسة (Syrian women In Tech)؛ المشروع الذي يهدف إلى البحث عن مُبرمجات ومهندسات معلوماتية سوريات، بهدف تدريبهن وإيصالهن إلى سوق العمل البلجيكي والأوروبي.
بدأت قصتها منذ الصغر مع اكتشاف شغفها بالتكنولوجيا عمومًا والبرمجة خصوصاً، فهي تذكر أنها شاهدت فيلماً من بطولة (أنجيلينا جولي) عندما كانت تؤدي فيه دور مبرمجة، ومن شدة حبّها للفكرة، بدأت تبحث أكثر في هذا الموضوع، واستمرَّ ذلك حتى نهاية الدراسة الثانوية.
فتكلَّل عملها الجاد بدخولها هندسة المعلوماتية في سورية، ولكن التحدي الحقيقي لليلى كان بعد التخرج؛ وهو سوق العمل، فقد كان الأمر محيّراً لديها؛ إذ لم تعرف من أين تبدأ وما الذي يجب عليها فعله.
تمتلك ليلى حبّاً وشغفاً بالتدريس وإيصال المعلومة بأفضل طريقة ممكنة؛ لذلك اختارت هذا المجال، وبدأت العمل في كلية الهندسة المعلوماتية في جامعة تشرين، واستمرَّت في هذا المجال عدة سنوات.
ومن باب التغيير؛ بدأت ليلى تعمل وتصقل مهاراتها في مجالٍ آخر، فعملت في شركة برمجيات في سورية، وأكَّدت ليلى على أهمية هذه الفرصة لها ولمسيرتها المهنية.
إذ إنَّ شغف ليلى بالتطور الدائم والعمل في شركات أكبر ومشاريع أضخم قد أوصلها إلى قرار السفر خارج سورية، لتبدأ حياتها المهنية في الخارج.
وتقول ليلى: (أي شخص يضع لنفسه هدفاً ويحدد طريقه سيتعرض إلى صعوباتٍ كثيرةٍ، ولا تزال تلك الصعوبات التي واجهتني محفورة في ذاكرتي إلى الآن).
وعلى الرغم من محاولات ليلى الكثيرة في البداية، لكنها كانت تقابل بالرفض؛ الأمر الذي سبب لها بعض الإحباط، ولكنَّ إصرارها كان أقوى من الرفض، فاستمرت بالتقديم على فرص عمل في شركات عديدة مدة سنة ونصف، حتى تمكَّنت من الحصول على فرصة عمل.
شاركتنا ليلى تجربتها بقولها: (بدأت بتحضير سيرتي الذاتية للبحث عن فرص عمل تناسب مهاراتي، وحاولت كثيرًا مع شركات عديدة، حتى نجحت في الوصول إلى مقابلة عمل، وبدأت بالعمل مع الشركة عن بعد، إلى أن حصلت على الفيزا وسافرت إلى بلجيكا).
وعلى الرغم من حصولها على فرصة العمل، لكنَّ ليلى استمرت بالعمل على تطوير ذاتها، وتعلم مهارات جديدة لكي تتمكن من العمل مع شركاتٍ كبيرةٍ.
عندما وصلت ليلى إلى بلجيكا؛ بدأت تفكر بأصدقائها في الجامعة وطالباتها اللواتي درَّستهن، وتبحث في كيفية تأمين فرص عمل مشابهة لجميع السوريات المكافحات في سورية ولديهن رغبة في التطور؛ وذلك بهدف تغيير حياة الفتيات السوريات بتأمين فرص عمل مناسبة لطموحهن.
ومن هنا بدأت فكرة مشروع (Syrian Women In Tech) تتبلور في ذهن ليلى، وتتطور حتى أصبح الحلم حقيقة!
وكان تأسيس مشروع (SWIT) من أكبر التحديات التي واجهت ليلى، إذ يتطلب هذا النمط من المشاريع كثيرًا من التعب والجهد، إضافةً إلى التعرض لكثيرٍ من الصعوبات.
ومن هذه الصعوبات نذكر إيجاد دعمٍ ماديٍّ للمشروع، وإنشاء فريقٍ متكاملٍ قادرٍ على أداء أعمال عديدة، منها التخطيط والتنفيذ والتقييم، وبالطبع كل ذلك يصبح أسهل عندما أحسنت تقسيم الوقت.
قدَّمت ليلى لنا عددًا من النصائح كي نستفيد من تجربتها الغنية، وبدورها تحثُّنا على المتابعة لتحقيق أهدافنا؛ ومن هذه النصائح:
1- الاستمرارية: كل الطرق مليئة بالصعوبات، ولكن الأهم أن نبدأ ونبقى مستمرين، حتى لو كان التقدم بطيئاً، فالأهم هو السعي للوصول إلى الهدف.
2- المعارف: من الضروري دائمًا أن نستعين بأشخاص أكثر خبرة منا، من أشخاص نعرفهم أو أصدقاء أو معلمين، وهذا ما تعلَّمته ليلى من الصعوبات التي مرَّت بها في تجربتها.
3- إحاطة أنفسنا بأشخاص مشجعين وداعمين: يجب علينا دائمًا أن نحيط أنفسنا بأشخاص نشاركهم الشغف ونتبادل معهم الطاقة الإيجابية، لأنه في كثير من الأحيان قد نشعر بالانهزام والتعب، وتراودنا الشكوك تجاه أهدافنا، فنلجأ إلى اختيار طريقٍ مختلفة.
ووجودنا مع أشخاص مشجعين وداعمين يعطينا دافعاً وحافزاً للاستمرار، وقد يكون هذا الشخص أستاذاً أو صديقاً أو مقدم محتوى على منصات التواصل الاجتماعي.
4- مساعدة الآخرين: يجب علينا مساعدة الآخرين؛ وبذلك نردُّ الجميل للأشخاص الذين ساعدونا.
اقرأ أيضاً: امرأة من التاريخ- رنا قباني
للنجاح معانٍ كثيرة، وكل شخص يرى النجاح من وجهة نظر مختلفة، ولكن توجد عدة عوامل مشتركة بين جميع الأشخاص الناجحين؛ وهي:
هذه هي الوصفة السحرية لتحقيق النجاح على أي مستوى، وأضافت ليلى بقولها: (كلَّما تحقّق حلم يُولد حلم جديد، وكلّما وصلنا إلى هدف ننقل تركيزنا إلى الهدف الذي يليه.
في الوقت الحالي أعمل على تطوير مهاراتي في المجال المهني، تزامنًا مع التركيز على مشروع (SWIT)، والتعاون مع الفريق لتحقيق أول فرصة نجاح).
وفي الختام شكرت ليلى مبادرتَنا (Uplifting Syrian Women) على اهتمامها وعرض قصتها، وكذلك تشكرتنا فرداً فرداً على كلِّ ما نُقدِّمه؛ ذلك لأن المجتمع السوري بأمسِّ الحاجة إلى مبادَرات مماثلة تدعم الناس وتساعدهم، وخاصةً السيدات بهدف تحقيق أهدافهنّ.
وركزت على أهمية السعي لتطوير هذه المبادرات بهدف تسهيل الوصول إلى المعلومات ومصادرها، وتشكرتنا أيضاً على جميع الورشات التي نعمل في مبادرتنا على تقديمها سواء كانت في مجال البرمجة أم اللغة الإنجليزية أم في مجالات أخرى. لأنها على يقين أن هذه الورشات ليست فقط مصدراً للمعرفة؛ بل هي أيضاً مصدر كبير لدعم جميع المستفيدات منها وتحفيزهن.
وختمت بقولها: (أتمنى لكنَّ كل التوفيق في رحلتكنَّ لإحداث تغيير إيجابي، وشكراً لأنني كنت جزءاً من هذه المبادرة).
♀ مبادرة (Uplifting Syrian Women) هي مبادرة تسعى إلى بناء سلام مستدام في سورية من خلال التركيز على النساء ومساعدتهنَّ عن طريق تقديم دورات وورشات عمل ومناقشات وتدريبات مجانية عبر الإنترنت؛ وذلك بهدف تحقيق أهداف المساواة بين الجنسين والتعليم الجيد وتحسين الوضع الاقتصادي، والتي تصب في صالح المجتمع عامةً وتخدم غرض إعادة بنائه.