"دائماً ما يقال للنساء السوريات أن المساواة المبنية على النوع الاجتماعي تأتي في المرتبة الثانية بعد حقوق الإنسان ووقف الحرب. لكن دون المساواة المبنية على النوع الاجتماعي، لن يكون هناك سلام ولا حقوق إنسان".
- زينة أرحيم؛ صحفية وناشطة نسوية ومستشارة/مدربة اتصالات. [1]
إن إشراك المرأة في عمليّة صنع السلام هو ضرورة لا بد منها فهي تشكل أكثر من نصف المجتمع من ناحية العدد ومن ناحية حجم دورها في كل المجالات. فقد أثبتت دورها كمعيلة لأسرتها، ومستجيبة إنسانية أولية، وقائدة، وبانية للسلام. [1]
لذا يُعدّ بناء قدرة المرأة كعاملة من أجل السلام وصانعة قرار ضرورياً من أجل مستقبلٍ عادلٍ في سوريا. فالمساواة لا تحقق العدالة للمرأة فقط، بل للمجتمع بأسره، ودور المرأة في بناء السلام وصناعته لا يجب أن يكون شكلياً فحسب، بل دبلوماسياً، وفي الميدان، وتحديداً مع قوات حفظ السلام. لأن المساواة الجندرية هي إحدى الوسائل التي يمكن أن توقف العنف في المجتمعات وتفرض السلام بين البشر. لذلك فإن تحقيق المساواة يعد أحد أهداف التنمية المستدامة لمستقبل أفضل للبشرية. [3]
وقد توصّل تحليل كمّي شمل 156 اتفاق سلام إلى أن مشاركة النساء المحليات في مفاوضات السلام زادت من احتمال توقُّف العنف في غضون عامٍ واحد بنسبة 24.9 في المئة.
وفي العقدين الأخيرين بدأنا نلمس تسارع في عجلة الحركات النسوية في الشرق الأوسط، ومنها على الصعيد السوري والحركة السياسية النسوية السورية. [4]
نتيجة للحرب السورية تأثرت المرأة السورية بالنزاع، فباتت تشكّل قرابة نصف الأشخاص الأكثر احتياجاً إلى المساعدة الإنسانية. كما زادت مستويات فقر المرأة السورية عن الرجل السوري، وزاد خطر تعرّضها للعنف القائم على النوع الاجتماعي، فضلاً عن أنها ما زالت تتولى مسؤولية رعاية الأطفال وأفراد العائلة الآخرين. وأصبحت النساء، خلال الحرب السورية، مُعيلات أساسيات لأسرهن. ويعود ذلك جزئياً إلى سقوط أعداد كبيرة من الضحايا في صفوف الرجال خلال الحرب. ويُشار في هذا الصدد إلى أن المرأة باتت مسؤولة عن نحو ثلث الأسر في سورية، وعن نحو 40 إلى 50 بالمئة من الأسر في دول اللجوء، وتسعى هؤلاء النساء جاهدات لتغطية التكاليف الأساسية لعائلاتهن، ويتحمّلن مسؤوليات هائلة.
فضلاً عن الآثار التي تخلفها الحرب على النساء كالعنف القائم على النوع الاجتماعي، والاعتقال والقتل، واستهداف الناشطات المدنيات والمدافعات عن حقوق الإنسان، واللجوء والنزوح والتهجير القسري. [2] [3]
أدت جائحة فيروس كورونا إلى زيادة العنف ضد النساء عالمياً بسبب تدابير الإغلاق والحجر، ويذكر أن المرأة تشكل نسبة 70% من القوى العاملة في القطاع الصحي الأمر الذي يجعلها أكثر عرضة للعدوى والمرض. [2]
كل تلك المصاعب لم تمنع كثير من النساء من لعب دورهن سياسياً ودبلوماسياً، وأيضاً في بناء السلام وتحقيق العدالة، بل أثبتن وجودهن في الميدان، وفي دول الاغتراب واللجوء. [3]
إضافةً إلى هذه التحديات، طالبت النساء السوريات بإشراكهن في عملية السلام التي تقودها الأمم المتحدة. في عام 2000، أقرّت الأمم المتحدة القرار رقم 1325 الصادر عن مجلس الأمن حول المرأة والسلام والأمن، وأوصت بأن تشكّل المرأة ما لا يقل عن 30 في المئة من المشاركين في محادثات السلام في عام 2002.
أصدرت المنظمة العالمية بيان جنيف 1 الذي ينص على أنه "من الواجب أن تُمثَّل المرأة تمثيلاً كاملاً في جميع جوانب العملية الانتقالية".
كما تم إجراء تعديلات على قانون الأحوال الشخصية، وزيادة المشاركة في أنشطة التدريب وتنمية المهارات، والزيادة في ريادة الأعمال النسائية في البلاد منذ بداية الصراع. ومع ذلك، لا تزال المشاركة المباشرة للمرأة في مفاوضات السلام رفيعة المستوى ونسبة مشاركة النساء في صنع القرار السياسي على المستويين الوطني والمحلي منخفضة بشكل مخيب للآمال.
إذ شكّلت النساء، في المعدّل، 13% فقط من المفاوضين، و6% من الوسطاء، و6% من الموقّعين في عمليات سلام أساسية في مختلف أنحاء العالم بين عامَي 1992 و 2019. [4]
بينما خلال اجتماع اللجنة الدستورية في أغسطس 2020، وهي الهيئة التأسيسية التي تتولى الأمم المتحدة تيسيرها من أجل اعتماد دستور جديد لسورية في إطار عملية السلام، كان غياب المساواة الجندرية واضحاً. فالنساء لم يشكّلن سوى ثلاثة عشر عضواً فقط من أصل 45 عضواً في لجنة الصياغة. [4]
ونظراً لما سبق، نجد أن إشراك النساء السوريات في عملية السلام وصنع القرار إلى تقدم ملحوظ، لكنه بطيء وغير مرضٍ. ويحتاج إلى تحركات أكبر من قبل المؤسسات المحلية والعالمية من جهة، ومطالبات من قبل الجهات النسوية من جهة أخرى، حتى نصل لواقع تكون مشاركة المرأة في صنع السلام من المسلمات في كل المؤتمرات.
ونظراً لما سبق، نجد أن إشراك النساء السوريات في عملية السلام وصنع القرار إلى تقدم ملحوظ، لكنه بطيء وغير مرضٍ. ويحتاج إلى تحركات أكبر من قبل المؤسسات المحلية والعالمية من جهة، ومطالبات من قبل الجهات النسوية من جهة أخرى، حتى نصل لواقع تكون مشاركة المرأة في صنع السلام من المسلمات في كل المؤتمرات.
في مبادرتنا نسعى لتقوية ودعم المرأة وسد الفجوة المبنية على الجنس. ولأن المرأة بطبيعتها مسالمة وجزء جوهري هام لتحقيق العديد من مساعي البشرية على كافة المستويات. نرى أن تشجيع ودفع النساء للمشاركة الفعالة في تحقيق السلام واجب على الأفراد والجماعات أو الحكومات معاً.
اقرأ أيضاً: دور التعليم في بناء السلام.
♀ مبادرة (Uplifting Syrian Women) هي مبادرة تسعى إلى بناء سلام مستدام في سورية من خلال التركيز على النساء ومساعدتهنَّ عن طريق تقديم دورات وورشات عمل ومناقشات وتدريبات مجانية عبر الإنترنت؛ وذلك بهدف تحقيق أهداف المساواة بين الجنسين والتعليم الجيد وتحسين الوضع الاقتصادي، والتي تصب في صالح المجتمع عامةً وتخدم غرض إعادة بنائه.
المصادر
[1] UN Women News
[4] Carnegie