قضايا اجتماعية إنسانية: عمل المرأة
"أقوم بجمع الكرتون والبلاستيك يومياً من أجل تأمين لقمة عيش لي ولطفلي"
-لمياء خالد.
هذا هو حال لمياء، اللاجئة السورية في تركيا بعد أن توفي زوجها وبقيت هي الوحيدة المعيلة لابنها والمشرفة على تعليمه وبالرغم من كافة الظروف المحيطة إلا أنها لم تقم بإخراج ابنها من المدرسة حرصاً منها على إكمال تعليمه ومهما ازدادت عليها مصاعب الحياة فقد كانت دراسة ابنها أولوية عندها. [1]
تاريخ عمل المرأة
عند قراءة التاريخ القديم سوف يتبين لنا أن المهنة الرئيسة للبشر في تلك الأيام كانت فقط الزراعة ولم يقتصر العمل الشاق فقط على الرجل، بل بالإضافة إلى الاهتمام بالأطفال والمنزل قامت المرأة بالأعمال التي تتطلب جهداً بدنياً شاقاً مثل طحن الحبوب، حمل الحطب وسحب المياه وحملها، ولم يكن هناك فترات راحةٍ للمرأة إلا عند الولادة، استمرّ هذا الدور التقليدي لربة المنزل طوال القرن التاسع عشر وفي بداية القرن العشرين ومع ظهور الطاقة الكهربائية واختراع الأجهزة الموفرة للجهد مثل الغسالات والمكانس الكهربائية التي ساعدت بالتخفيف من الجهد والتعب الذي تقوم به ربة المنزل، إلا أنها قامت فقط بتقليل الوقت الذي تستغرقه السيدات لأداء الواجبات المنزلية.
بشكلٍ عام ارتبط عمل المرأة خارج المنزل بالأعمال المنزلية المعتادة لها، حيث اعتادت الكثير من النساء التي فقدن معيل أسرتهن العمل من داخل منازلهن في خياطة الملابس وبيعها لأصحاب المحلات أو كخادماتٍ لمنازل الأغنياء، ثم كانت التطورات الاجتماعية والاقتصادية التي ساعدت على تغير طبيعة عمل المرأة، نمو التعليم أدى إلى زيادة الطلب على المعلمين بالإضافة إلى الأعمال المكتبية ومندوبي المبيعات، إذ وجد أرباب العمل أنه يمكنهم توظيف النساء بأجورٍ أقل من الرجال باعتبار أن الرجال مسؤولون عن إعالة الأسرة أما النساء فقد كانت معظمهن في هذه الأعمال هنّ نساءٌ عازبات وبالتالي يمكن أن يحصلوا على أجرٍ أقل. [2]
خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية، تم تجنيد النساء للعمل التطوعي أو المأجور من أجل إرسال الرجال إلى القوات المسلحة مما خلق مجالاتٍ جديدةً لعمل النساء مثل معامل الذخيرة وقيادة الحافلات وإدارة المصارف والمكاتب مما ساعد على تقبل المجتمعات موضوع عمل المرأة ولكن هذا أثر سلباً عند انتهاء الحرب وعودة الرجال إذ استمرت النساء بالعمل إلى جانب الرجال ولكن بأجورٍ منخفضةٍ مما أدى إلى تراجع عمل المرأة خطوةً إلى الخلف في ذلك الوقت. [3]
عمل المرأة حالياً حول العالم
أكدت خطة التنمية المستدامة لعام 2030 على ضرورة توفير وظائفَ ذات نوعيةٍ جيدة للجميع والمساواة الاجتماعية للجميع وذلك بهدف الحد من الفقر وتحقيق المساواة بين الجنسين وتعزيز النمو الاقتصادي في كافة الدول، ولكن هذا الأمر يبدو أنه من الصعب تحقيقه لأن وبالرغم من ازدياد نسبة التحصيل العلمي للنساء مقابل الرجال ومساعي الدول والأمم المتحدة لتحقيق هذا الأمر، مازالت الكثير من النساء حول العالم في خضم معاناةٍ عند انطلاقها بمسارها المهني أو العملي وذلك ابتداءاً من صعوبة إيجادها فرصة عملٍ ذات نوعية جيدة وانتقالاً إلى عدم المساواة في الدخل مع الرجال مما يؤثر سلباً على حياة المرأة الاقتصادية. [4; p.1]
إذ أشارت إحصائياتٌ نُشرتْ عام 2018 إلى أنه لا يزال معدل مشاركة النساء في القوى العاملة البالغ 48.5% في عام 2018 أقل بمقدار 26.5 )نقطة مئوية) من معدل مشاركة الرجال، بالإضافة إلى أنه مقابل كل عشرة رجال يعملون هناك ست نساء فقط يعملن، كما أن النساء تواجهن فجواتٍ كبيرةً في جودة المهن التي تمارسها إذ مازالت نسبة العاملات في الأعمال الأسرية تفوق ضعف نسبة الرجال وظروف العمل غالباً ما تتسم بالضعف والهشاشة لعدم وجود عقود عمل خطية وعدم احترام قوانين العمل بالإضافة إلى قلة عدد النساء في المناصب الإدارية بسبب وجود عوائق في سوق العمل تمنع النساء من العمل في مناصب إدارية. [5]
ولعل مشكلة سيطرة حركة طالبان على القيادة والحكم في أفغانستان من أكبر المشاكل في هذا الخصوص حول العالم، وبعد أن تمكنت المرأة الأفغانية من زيادة خبراتها الأكاديمية واستطاعت الدخول في سوق العمل والسياسة خلال العقدين الماضيين جاءت سيطرة حركة طالبان على الحكم في البلاد محاولة إلغاء كل ما قامت به المرأة الأفغانية، إذ منعت النساء من العمل ومن الصعود إلى سيارة الأجرة بدون وجود رجل معها وسرحت العديد من المدرسات من المدارس. [6]
عمل المرأة في الدول العربية
على صعيد الدول العربية فإن أكثر ما يصعب ظروف عمل المرأة هو الفكر الاجتماعي السائد بعدم أحقية المرأة بالعمل بالإضافة إلى مشكلة التحرش التي قد تحول بين كثير من النساء وأحلامهم ورغباتهم في الحياة، بالإضافة إلى أن أعباء رعاية الأطفال وكبار السن غالباً ما تقع على عاتق النساء، وبالرغم من تحقق بعض التقدم في معدلات بالالتحاق بالتعليم مازالت تقل نسبة التحاق النساء في مجالات العلوم والهندسة والرياضيات التي توفر وظائف أعلى أجراً، بالرغم من تميز الإناث بشكل عام في التعليم مما أدى تعزيز حصول النساء على وظائف محدودة الدخل وزيادة فجوة التمييز في الأجور حسب الجنس. [7]
اقرأ أيضاً: جريمة الشرف
عمل المرأة في سوريا وتأثيرات الحرب
حملت الحرب المرأة السورية هموماً وأعباءً كبيرة ونسفت أمام عينها جميع أحلامها بالحياة الجميلة، فقد أصبحت الكثير من النساء السوريات تأخذن دور الأب والمعيل خارج المنزل بالإضافة إلى أدوارها الرئيسية بالاهتمام بالمنزل والاعتناء بالأطفال فأضحت المرأة السورية تتخبط بين رغباتها بتأمين لقمة عيش كريمة لعائلتها بعد فقدانها زوجها نتيجة الحرب أو السفر ورغباتها بالانتباه إلى أطفالها والاعتناء بتربيتهم ودراستهم، وهذا الموضوع لم يقف هنا إذ عندما تختار المرأة عملاً لتعمل به فإن أول ما تفكر به من الذي سيرعى الأطفال أثناء غيابها ولا سيما في حال كان وزجها أو معيلهم ليس موجوداً مما يزيد العبء عليها، والذي جعل الكثير من النساء السوريات تعمل في ظروفٍ سيئةٍ ودخلٍ محدود لمجرد طلبها لما يكفي من أجل العيش واستمرار الحياة، وتشير الإحصائيات أن قوة العمل النسائية باتت تعادل 4 أضعاف الرجال في سوريا وقد فرضت الأزمة على المرأة السورية تجربة كافة أنواع المهن بما فيها البناء والكهرباء والإمدادات الصحية وقيادة السيارات، إلى جانب أعمال مارستها سابقاً كالخياطة والزراعة والتعليم. [8]
مشكلة الحرب والنزوح في سوريا لم تؤثر فقط على النساء، بل امتد تأثيرها ليشمل الفتيات السوريات اللواتي أُجبرن على الزواج خوفاً من الظروف وسعياً منهن للتخفيف من الأعباء المادية على عائلتهن وحتى إن كان الشخص لا يتوافق مع عمر الفتاة ومؤهلاتها الفكرية، بالإضافة إلى ازدياد نسبة زواج القاصرات وارتفاع نسبة التسرب من المدارس للفتيات نتيجة الخوف عليهن. [9]
ختاماً ترى مبادرتنا في هذه المشكلة تحدّياً كبيراً، ويجب على كافة فئات المجتمع التعاون معاً من أجل مساعدة النساء على تخطي ظروف الحرب التي واجهت الجميع، وهذا ما سعت إليه المبادرة من خلال تقديم ورشات عمل ودورات تدريبية في كثير من المجالات لمساعدة المرأة السورية على إيجاد فرصة عمل تحقق لها عيشاً كريماً ودخلاً يؤمن الاحتياجات الأساسية لها.
♀ مبادرة (Uplifting Syrian Women) هي مبادرة تسعى إلى بناء سلام مستدام في سورية من خلال التركيز على النساء ومساعدتهنَّ عن طريق تقديم دورات وورشات عمل ومناقشات وتدريبات مجانية عبر الإنترنت؛ وذلك بهدف تحقيق أهداف المساواة بين الجنسين والتعليم الجيد وتحسين الوضع الاقتصادي، والتي تصب في صالح المجتمع عامةً وتخدم غرض إعادة بنائه.
المصادر
[1] AJ+
[2] Britannica
[4] International Labour Organization-PDF
[5] International Labour Organization
[6] France 24
[7] Albank Aldawli
[8] Syrian Women for Democracy
[9] Suwar Magazine